بقلم / الدكتور مصطفى مصطفى إبراهيم سيريتش
رئيس العلماء والمفتى العام بدولة البوسنة والهرسك
إن جوهر الإسلام يأتي من مصدرين رئيسيين هما القرآن الكريم، الذي هو الوحي الإلهي، والسنة النبوية، التي هي تعاليم وأفعال وسمات النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لكن طبائع المسلمين تأتي من العديد من الشعوب والقبائل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (القرآن الكريم ، 49:13). لذلك، فإن إيمان المسلمين متنوع بتنوع طبائعهم وخلفياتهم القومية والقبلية؛ وبالتالي يجب الاعتراف بالطبائع التي وهبها الله لخلقه من المسلمين والخبرة الاجتماعية لهم على حد سواء، وتقديرهما في الحضارة الإسلامية العالمية، طالما أن مبدأ التوحيد (وحدانية الله)، كما هو معبر عنه في لا إله إلا الله، ومبدأ نبوة الخاتم (نبوة محمد صلى الله عليه وسلم) يدعمان هذا التنوع في الوحدة الإسلامية ويعتبرانها من نعم الله على أمتنا. ومن ثم يجب على المسلمين أن ينظروا إلى مختلف طبائع وخبرات إخوانهم المسلمين على أنها نعمة من الله تثري ثقافة وحضارة الإسلام في العالم.
واقتباسا من حقيقة هذه النعمة، أود أن أطلعكم على طبيعتي التي وهبني الله إياها و خبرتي في الحرب والسلم كأحد المسلمين في البوسنة وأحد الناجين من الإبادة الجماعية في أوروبا، وكيف أرى نفسي كذلك منتميا إلى مجتمعات العالم الإسلامي اليوم. بل إنني في الواقع أود أن أخبركم لماذا أعتقد أن نهج منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي يرأسه العلامة الموقر الشيخ عبدالله بن بيه، والذي مقره في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة ، هو نهج صحيح في الإسلام وبرنامج سليم لنشر توعية السلام بين المسلمين في جميع أنحاء العالم.
تستند شهادتي على طبيعتي الشخصية وتجربتي في الحرب والسلام في البوسنة دون الحاجة إلى اعتذار لأحد. إنها تبدأ من حقيقة أنه خلال الحرب وفترة ما بعد الحرب في البوسنة، كان من الصعب العثور على مبادرة سلم من جماعة أو مؤسسة إسلامية ذات مصداقية لمساعدتي في الدخول في حوار وبناء الثقة مع الآخرين. كانت جميع مبادرات السلم قادمة من الجماعات أو المؤسسات المسيحية التي كانت لها في الحقيقة ميزة في عرض قضيتها؛ لذا عندما تم تقديم مبادرة سلام إسلامية رئيسية من قبل الشيخ بن بيه في عام 2014 في أبوظبي، سررت بدعوتي للانضمام إليها. وفي الواقع كنت أدع الله من أجل نجاحها واستمراريتها لأنه نادراً ما تنجو الأفكار المسلمة الحقيقية من الضغط الهائل للمعارضين المخالفين الذين يعارضون مثل هذه المبادرات إن لم يكونوا فيها، إن لم تكن فكرتهم. لحسن الحظ بدا أن منتدى تعزيز السلم في أبوظبي نجا من هذا المصير – وخاصةً المنتدى الأخير الذي في رأيي هو أفضل المنتديات كلها حتى الآن – المنتدى الخامس لعام 2018. نعلم من القرآن والسنة أن النقد الصحيح والبنَّاء هو طبيعة الإسلام ، لكن خطاب الكراهية الجديد والاتهامات الباطلة ضد المنتدى لا تتفق مع طبيعة الإسلام، وليست ذات أدب إسلامي ولا أخلاق.
اسمحوا لي أن أقول إن شيخ عبدالله بن بيه والشيخ حمزة يوسف ليسوا بحاجة إلى دفاعي، إنهم أناس قادرون ومستقيمون، كما أن تفانيهم الدائم في العمل الإسلامي يتكلم عن نفسه. أحتاج إلى أن أرفع صوتي بوضوح وبصوت عالٍ دفاعاً عن أهمية تعزيز السلم، وعمل الباحثين الموقرين تجاه هذا الهدف. أقول بتواضع أن يكون الانحياز معهم في هذا الغرض. وسنكون ممتنين لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لدعمها هذا المشروع الذي شارك فيه بالفعل قادة دينيون وأكاديميون وثقافيون وسياسيون بارزون من جميع أنحاء العالم ولهم جزيل الشكر باحترامهم والتزامهم بقضية السلم هذه.
أولا: لا يوجد أحد يحتكر السلام، لكن على الجميع واجب تعزيز السلام بطريقته الخاصة لأن تعريف “الإسلام” هو السلام، وبالتالي فإن “المسلم” هو أيضًا في تعريفه سلمي رجلا كان أو امرأة؛ ولذلك فإن منتدى تعزيز السلم هو تنزيل للمفهوم الفريد والقوي للإسلام، ألا وهو مفهوم السلام.
ثانياً: لا أحد لديه تظاهرة حول التسامح، لكن على الجميع التزاماً بالتعلم وتعليم التسامح في حيه أو محيطه لأن الإسلام هو إيمان التسامح بحقيقة كما جاء في القرآن الكريم أن { لا إكراه في الدين }.
ثالثًا: لا أحد يحتكر الكرامة، ولكن يحق للجميع التمتع بحق الحياة (النفس)، والإيمان (الدين)، وحرية الفكر (العقل)، والملكية (المال)، والكرامة ( العرض) لأن العلماء المسلمين حددوا هذه المبادئ الموجهة للسلام منذ فترة طويلة قبل ”الإعلان العالمي لحقوق الإنسان“. هذه المبادئ مبنية على نص وروح القرآن والسنة باعتبارها أمانة (ثقة) للأمة الإسلامية بأكملها، وليس فقط جزء منها.
رابعاً: لا أحد يملك احتكار للتحالف، لكن لكل شخص الحق في السعي إلى التحالف مع أشخاص وشعوب محبة للسلام استناداً إلى مثال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي شارك في تحالف قبل الإسلام، والمعروف باسم ”حلف الفضول“ الذي وافق عليه في الإسلام أيضًا.
خامسًا: لا أحد لديه احتكار للديمقراطية، لكن لكل شخص الحق في التحدث عن الديمقراطية، حتى لو كان يعتقد أنه يمكن أن يؤدي أحيانًا إلى الاستبداد. الفيلسوف اليوناني سقراط كان له هذا الحق كذلك، كان يقول أن الأوليغارشية أصبحت ديمقراطيات لأسباب يمكن التنبؤ بها: “إن الديمقراطية تأتي إلى السلطة”، يقول سقراط: “عندما يكون الفقراء هم المنتصرون يقتلون البعض وينفون البعض ويعطيون أسهمًا متساوية في الحكومة لكل البقية”. “شكلاً مقبولاً من الفوضى” ، كما يخبرنا سقراط ويضيف أن “الرغبة النكّهة للحرية تستدعي الطلب على الاستبداد”.
سادساً: لا يوجد أحد يحتكر الوعظ الأخلاقي، لكن على الجميع واجب تحسين أخلاقه قبل التبشير بالآخرين. يعلمنا الإسلام أن الممارسة الأخلاقية الصحيحة أفضل من الوعظ الفارغ.
وأخيرًا: لا يوجد أحد يحتكر الإسلام، لكن على كل فرد فرض عين (مسؤولية شخصية) وفرض كفاية (مسؤولية جماعية) التصرف بطريقة لا تفسد التعاليم الأخلاقية للإسلام، ولا تمس بالصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين في العالم من أجل المكاسب الشخصية. يعود الفضل في أعمال الشيخ عبدالله بن بيه والشيخ حمزة يوسف إلى تنزيلهم الفروض المذكورة لإصلاح الصورة المدمرة للإسلام والمسلمين في العالم، بسبب بعض الجماعات الغير المسؤولة والمتشددة التي ادعت أنها تعمل باسم الإسلام. أولئك الذين لا يفهمون أهمية رسالة هؤلاء العلماء غير متصلين بالواقع، وبالتالي لا يمكنهم أن يدّعوا أنهم المرشدون الصحيحون للمسلمين لا سيما في الغرب. أولئك المسلمين أينما كانوا الذين ما زالوا يدعمون قتلًا كارثيًا حدث في الآونة الأخيرة في بعض البلدان الإسلامية الكبرى، يجب أن يُنصَحوا بأن الانتحار فرديًا أو جماعيًا ليس جزءًا من طبيعة الإسلام. بل لم يكن الإسلام يومًا دينًا للتدمير. بل كان دوما دين الأخلاق والثقافة والحضارة البناءة والشاملة.
وملاحظتي الأخيرة إلى إخواني وأخواتي المسلمين في الغرب لا تتمثل في إصدار حكم متسرع يحرض عليه بعض الناس والمؤسسات الذين لا يتعاطفون مع المسلمين الذين يعانون. إذا كنت لا تستطيع مساعدة محنة المسلمين اليوم فعلى الأقل لا تجعل الوضع الإسلامي أسوأ مما هو عليه. أولئك الذين لم يذوقوا مرارة الحرب لا يمكنهم تقدير طعم السلام الحلو وأنا قد ذقت كليهما. أيها الإخوة المسلمون أيها الأخوات والأصدقاء أينما كنتم ادعوا للسلام وادعموا أولئك الذين يعملون من أجل السلام أياً كانوا.