برغم كونها قصيدة مجهولة النسب ولم يتفق النقاد والأدباء على نسبتها لشاعربعينه إلا ان طائفة منهم ينسبها إلى يزيد بن معاوية وتعد واحدة من أجمل قصائد الغزل التي قيلت في التغزّل بالمحبوبة وذكر محاسنها، والعجيب فى الأمر أنها تنسب لكثير من الشعراءفبعض أبياتها تُنسب لشعراء آخرين،
وبعيدا عن الخلاف حول نسبتها لنقض طرفا من الوقت الجميل مع تلك الأبيات الغزلية الرائعة والتى تعد واحدة من أروع قصائد الغزل فى الشعر العربى
يقول يزيد بن معاوية والذى نسبت إليه القصيدة :
*أصابَكَ عشقٌ أم رُميتَ بأسهمِ
فما هذهِ إلا سـجيّـةُ مُغـــرَمِ
*أصابك سهـم أم رُميتَ بنـظـرةٍ
فمـا هـذه إلا خطيئةُ مـن رُمـي
* * فيالروعة الاستهلال بهذا الاستفهام الحائر عن أعراض العشق فهو يسأل – هل الذي يشعر به أعراض عشق أو هو آثار رمية بسهم !؟ ، فيرى الشاعر أنّ الأعراض التي يشعر بها هي دليل على الغرام الذي قد دخل قلبه، ثمّ يعيد الشاعر السؤال مقلوبًا فيقول هل ما تشعر به نابع من الإصابة بسهم أو من نظرة.**
* ألا فاسقِني كاسـاتِ راحٍ وغنِّ لـي
بذِكـرِ سُــليـمــةَ والكمانِ ونغِّـني
* فدَع عنكَ ليلى العامريةِ إنني
أغارُ عليها من فم المتكلمِ
*أغارُ عليها من أبيـها وأمِـهـا
إذا حدّثاها في الكلامِ المُغَمغَمِ
*أغارُ عليهـا مـن أخيها وأختِـهـا
ومن خُطوةِ المسواك إن دار في الفم
** * وما أشقاه بها تلك الغيرة التى يغارها ! حين أوضح مدى حبه وغيرته على محبوبته
فهو ينبهنا بألّا نذكر أمامه محبوبته لأنّه يغار عليها، يغار من أن يُلفظ اسمها بل إنّه يغار عليها من والديها إذا حدّثاها بكلام حلو جميل. يغار من إخوتها ومن عود الأراك إذا ما وضعته في فمها ويغار من ثيابها حين تلتصق بجسدها الناعم، ويتمنى أن لو كان مكان القدح الذي ترشفه بشفتيها عندما تشرب منه. **
*أغار علـى أعطافهـا مـن ثيابهـا
إذا ألبستهـا فـوق جسـم منْـعـم
* وأحسَـدُ أقداحًـا تقـبّـل ثغـرهـا
إذا أوضعتها موضعَ اللثمِ فـي الفـمِ
* على شاطيءِ الوادي نظرتُ حمامـة
أطالـتْ علـيَّ حسرتـي وتندُمـي
* خذوا بدمـي منهـا فإنـي قتيلهـا
ولا مقصـدي الا تجـودُ وتنعَـمـي
* ولاتقتلوهـا إن ظفـرتـم بقتلـهـا
ولكن سلوها كيف حـلّ لهـا دمـي
* وقولوا لها يامنيـةَ النفـسِ إننـي
قتيلُ الهوى والعشق لو كنتِ تعلمـي
* ولا تحسبـوا إنـي قُتلـت بصـارم
ولكن رمتني من رباهـا بأســهمِ
* لها حُكمَ لقمـانٍ وصـورةُ يوسـفٍ
ونَغـمـةُ داودٍ وعـفـةُ مـريـم
* ولي حزنُ يعقوبٍ ووحشـةُ يونـسٍ
وآلامُ أيـــوبٍ وحَـســرةُ آدمِ
** * وما أبلغها من مقابلة عقدها بين جمالها الآخاذ وحزنه الشديد
فصورمدى جمالها فهى كالحمامة في النعومة والهدوء، ويطلب ممن يرثى لحاله أن يوقفوها ويحاسبوها عن فعلها به ، مع أنها لم تفعل شيئًا فقدأصابته بلِحاظ عينيها فأردته قتيل العشق، كما يطلب أن يخبروها أنّه مريض بحبّها ويكاد يقتله، ثم يردف انّ ما أصابه ليس بسبب مرض ولكنه بسبب نظرة من عين جميلة.
ثمّ يصف جمالها ويتفنن فى وصفه فجمالها يوسفيّة أخّاذ كجمال سيدنا يوسف عليه السلام، وفي حكمتها كلقمان الحكيم رضي الله عنه، أما صوتها لها رنّة كأنّها مأخوذة كصوت داود -عليه السلام- فوق كل ذلك عفيفة مثل مريم العذراء -عليها السلام-.
أمّا حالة هو فهو الحزين كحزن يعقوب على يوسف عليهما السلام، ويشعر بالوحشة كيونس -عليه السلام- في بطن الحوت، وفى الآلام بسبب العشق كأيّوب الصابر عليه السلام، وفي حسرته مثلما كآدم أبي البشر -عليه السلام- حين خرج من الجنة،
فما أبدعه حين قابل صفاته السلبية بصفاتها الإيجابية.**
* ولمـا تلاقينـا وجــدتُ بنانـهـا
مخضبـةً تحكـي عُصـارةَ عنـدُمِ
* فقلتُ خضبتِ الكـفَ بعـدي أهكـذا
يكـونُ جـزاءُ المستهـامِ المتيـمِ
* فقالت وأبدت في الحشى حُرَقَ الجوى
مقالةَ من فـي القـولِ لـم يَتَبَـرمِ
* وعيشـكَ ماهـذا خِضـابٌ عرفتَـه
فلا تكُ بالبهتـانِ والـزورِ مُتْهِمـي
* ولكننـي لمّـا وجدتكَ راحــلا
وقد كنتَ لي كفي وزَندي ومِعصمـي
* بكيت دمـاً يـوم النـوى فمسحتـُهُ
بكفيَ فاحمـرّتْ بنانـيَ مـن دمـي
** وعند وصف لقاءه بمحبوبته يروي أنّه لقيها وهي مخضبة الأصابع، فقد صبغت أصابعها بالحنّاء، وهي من عادة المرأة عند التزيّن، وهنا فسألها الشاعر عن سبب هذا التخضيب مرجعا ذلك بأنه ليس من شيمة العشّاق عند البعد والفراق الطويل. عنا كانت المفاجأة حين أجابته وهي حزينة من اتهامه لها بأنّها تفرح وتتزيّن وهي بعيدة عنه بأنّ ذلك ليس خضابًا بالحنّاء وعليه إلا يرميها بباطل، فهو عندما رحل عنها آخر مرّة صارت تبكي دمًا على فراقه، فعندما مسحت ذلك الدم فإنّه علِقَ بأصابعها ولم يُمحَ عن يديها،.**
* ولو قَبْـلَ مبكاهـا بكيـتُ صبابـةً
لكنتُ شفيـتُ النفـسَ قبـلَ التَنَـدُمِ
* ولكن بكـتْ قبلـي فهيّجنـي البُكـا
بكاهـا فكـانَ الفضـلُ للمتـقـدمِ
* بكيتُ على من زيّنَ الحسنُ وجههـا
وليس لهـا مِثْـل بعـربٍ وأعجُـمِ
* عراقيةُ الألحـاظِ .. مكيـةُ الحشـا
هلاليـةُ العينيـنِ طائـيـةُ الـفـمِ
* وممشوطةٌ بالمسكِ قد فاحَ نَشرهـا
بثغـرٍ كـأن الـدرَّ فيـهِ منـظـمِ
* أشارتْ بطرفِ العينِ خيفـةَ أهلهـا
إشـارةَ محـزونِ ولــم تتكـلـمِ
* فأيقنتُ أن الطرفَ قد قـالَ مرحبـاً
وأهـلاً وسهـلاً بالحبيـبِ المتيـمِ
** ولأنه تسبب في بكائها فقد ندم أشد الندم لأنه كان سبب بالبكاء بعد سؤاله، فلو تريّث ما كان ليندم كل هذا الندم، ثم وصفها بأنّها أصدق منه لأنّها بكت، فجعلته يبكى لبكائها ثمّ يعدّد أوصافها التي ليس لها مثيل فيقول: فنظرتها بطرف عينيها يجعلها كنساء العراق، أما قوامها فمأخوذ من نساء مكّة، وجمال عينيها من قبيلة بني هلال القيسية المُضريّة، ورسمة فمها من قبيلة طيّئ،
فالشاعرنا جمع لها أوصاف الجمال فى عالمنا العربي وجعله في محبوبته، فلا مثيل لها . فعبير المسك يفوح من فمها دائمًا ، وأنّ أسنانها كالدر المصفوف بانتظام لجمالها وبهائها،
ثم كان الختام حين أشارت له المحبوبة بعينيها خلسة من دون أن يشعر بها أحد خشية أن يراها الناس وهي تكلّمه، عند ذلك علم أنّ محبوبته تبادله نفس المشاعر، **