في إطار الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء السوداني إلى مصر، عُقدت اليوم بمقر مجلس الوزراء، جلسة المُباحثات الموسعة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء جمهورية السودان، بمشاركة وزراء الخارجية، والكهرباء، والمالية، من الجانب المصري، ووفد وزاري سُوداني ضم وزيرة الخارجية، ووزير المالية والتخطيط الإقتصادي.
وفي مستهل المباحثات، رحب الدكتور مصطفى مدبولي بنظيره السوداني والوفد المرافق له، معرباً عن سعادته باستقبالهم في وطنهم الثاني مصر، مُجدداً ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال استقبال الوفد السوداني صباح اليوم، من حرص مصر على تقديم كل الدعم والمساندة الحقيقية للسودان حكومة وشعباً.
واعتبر مدبولي أن هذه الزيارة تاريخية، حيثُ تأتي في ظروف دقيقة سبق أن مرت بها مصر في عام 2011، لذا فهي حريصة على مُساندة السودان، وتثق في قدرة الحكومة الحالية على إدارة الموقف على النحو الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني.
وأكد رئيس الوزراء استعداد الحكومة المصرية لتقديم كل الدعم اللازم إلى الأشقاء السودانيين، في مُختلف المجالات التي سيتم طرحها خلال الزيارة، ومنها الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، وكذا تقديم مساعدات طبية و غذائية، لافتاً إلى أنه سيتم تشكيل مجموعة عمل لتحديد مجالات التعاون المطلوبة، ووضع خطة زمنية محددة للعمل على تلبيتها.
من جانبه أعرب رئيس الوزراء السوداني عن سعادته والوفد المرافق له بوجودهم اليوم في وطنهم الثاني مصر، وبدء زيارتهم بلقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومناقشة العديد من القضايا المشتركة، بمنتهى الصراحة والوضوح، معرباً عن تطلعه في أن تُحقق الثورة السودانية أهدافها وتطلعات الشعب السوداني، وثقته في العبور لبر الأمان بمساعدة الأشقاء وأهمهم مصر، مشيراً إلى أن الشعبين في مصر والسودان يربطهما أواصر أخوة وتاريخ مشترك، قائلاً: “نحن شعب واحد يعيش في دولتين”.
وأشار الدكتور عبد الله حمدوك إلى العديد من التحديات التي تواجه السودان في هذه المرحلة الدقيقة، وفي مقدمتها ضرورة إحلال السلام المُستدام، وتخفيف المعاناة عن الأهالي في السودان، إلى جانب التحدي الإقتصادي، مؤكداً أنه ينظر بإعجاب شديد إلى التجربة المصرية، ويتطلع لدور رائد من الشقيقة مصر، والإستفادة من تجربتها في علاج العديد من القضايا الاقتصادية الراهنة لاسيما التضخم، وسعر الصرف، وفتح مجالات الاستثمار، كما وجه رئيس وزراء السودان الدعوة للدكتور مصطفى مدبولي لزيارة السودان لبحث مجالات التعاون الثنائي.
كما شهدت جلسة المُباحثات المُوسعة مُداخلات من السادة الوزراء من الجانبين، بدأت بسامح شكري، وزير الخارجية المصري، الذي أكد أن مصر ظلت دوماً تدعم السودان في كل الظروف، وأنها حريصة على استمرار هذا الدعم، بما يُساهم في تدعيم أركان الدولة، وتحقيق الإستقرار، وإحداث طفرة في العلاقات الثنائية خلال الفترة القادمة.
كما لفت شكري إلى أن الشأن السوداني يأخذ جانباً كبيراً من شاغل مصر خلال هذه المرحلة، وأن مصر تدعم قضايا السودان في كافة المحافل الدولية، كما تحرص مصر على تنسيق المواقف مع السودان في مختلف الملفات، وترى أن استقرار شُركائها في المنطقة يدعم استقرار مصر.
كما أشارت أسماء عبد الله، وزيرة خارجية السودان، إلى أن السودان يُعول كثيراً على الدور المصري في العديد من الملفات، في مقدمتها حشد الدعم المالي، وتحسين الأجواء مع المؤسسات الدولية، والسعي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لافتة إلى أن التعاون في هذه المجالات، يمثل نقطة الانطلاق للسودانيين لتحقيق ما يصبون إليه. وأضافت وزيرة خارجية السودان أن هناك توافقاً بشأن مجالات تم بحثها من الجانبين، ومنها الربط الكهربائي، والتعاون في مجال السكك الحديدية، وأن هناك خطوات تنفيذية ستتم من الجانبين.
من جانبه أوضح الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء أنه فيما يتعلق بالربط الكهربائي، فإن هناك عدداً من الأمور الفنية يجري العمل عليها بين الجانبين، مع تقديم الدعم الفني اللازم للجانب السوداني في هذا الشأن، مؤكداً أن هذه الجهود تساهم في تحقيق الربط الكهربائي بين البلدين بقدرة 240 ميجاوات بنهاية العام القادم.
من جانبه وجه رئيس الوزراء المصري بضرورة التوصل الى منظومة ربط كهربائي تحقق الاستدامة بين البلدين، وتراعي ظروف الجانب السوداني، مُقترحاً أن يتم الحصول على قيمة الكهرباء المصدرة للسودان في صورة سلع ومنتجات سودانية.
وقال الدكتور إبراهيم البدوي، وزير المالية والتخطيط الإقتصادي السوداني أن هناك آفاقاً كبيرة يُمكن الوصول إليها في التعاون الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، ومشاريع طموحة يمكن الحديث عنها، خاصة في مجالي الزراعة والكهرباء، مع أهمية تفعيل التعاون بين رواد الأعمال من الجانبين للإستفادة من الفرص الراهنة، لاسيما في مجال التجارة والتصنيع والمشاريع الانتاجية، مدللاً على ذلك بمنطقة جنوب مصر وشمال السودان التي يمكن أن تكون واعدة في مشروعات الثروة السمكية والتصنيع الزراعي، مع تنفيذ المشروعات بنظام B.O.T لتفادي الديون، والتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة، والنهوض بالبنية التحتية.
وقال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن مصر لديها خبرات كبيرة في مجال تنفيذ المشروعات بنظام B.O.T ، وهي مستعدة لنقل هذه الخبرات الى الجانب السوداني، معرباً عن تطلعه الى تحقيق التقارب بين مجتمع الأعمال في البلدين للإستفادة من الفرص الواعدة.
وعقب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مُؤكداً استعداد الحكومة المصرية لتقديم أي مساعدات عاجلة إلى السودان الشقيق، مثل إرسال القوافل الطبية، ومد خدمات برنامج القضاء على فيروس C إلى السودان الشقيق، للمساهمة في علاج عدد من الأشقاء هناك، كما أشار مدبولي إلى أن ملف تحقيق الربط في السكك الحديدية يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنه من خلال بناء محطة تبادلية لتفادي اختلاف خط السكة، وذلك من خلال وفد من الجانبين يعمل على دراسة هذا الامر والاسراع في تنفيذه، الى جانب تفعيل النقل النهري بين البلدين.
كما وجه رئيس مجلس الوزراء بإرسال وفد من رجال الأعمال المصريين الى السودان، للتعرف عن قرب على فرص الإستثمارالممكنة، والإستفادة منها بضخ استثماراتهم.
وعقبت وزيرة خارجية السودان، بأن هناك أهمية للمساعدات العاجلة التي طرح الجانب المصري تقديمها، معربة عن تطلعها في أن يكون التركيز على القوافل الطبية، وبرنامج القضاء على فيروس C ،والإيواء لضحايا الفياضانات والسيول.
من جانبه أعرب رئيس وزراء السودان عن سعادته بما تم طرحه خلال الاجتماع من مجالات للتعاون بين البلدين، مؤكداً أهمية تعزيز التعاون في ملف التعليم أيضاً، إلى جانب التعاون في مجال التصنيع، حيثُ ما زالت السودان تقوم بتصدير المواد الخام، لافتاً إلى أن التجربة المصرية مُلهمة فيما يتعلق بالإصلاح الإقتصادي، لاسيما فيما يخص تحرير سعر الصرف، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، واستقطاب تحويلات المصريين في الخارج، والتي تمثل داعماً هاماً للاقتصاد.
وفي ختام المباحثات، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن هذه الزيارة واللقاءات التي تمت، تمثلُ نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين، حيثُ سيتبع ذلك تعاون وثيق، وتواصل دائم لتلبية متطلبات الشعب السوداني والحكومة السودانية، واقترح رئيس الوزراء تفعيل اللجنة العليا المشتركة بين البلدين برئاسة رئيسي الوزراء، بحيث يكون هناك زيارات دائمة متبادلة، وتنسيق دائم، وتدعيم للعلاقات الثنائية، مع المتابعة الشخصية لتلك الملفات من جانب رئيسي الحكومتين بما يساهم في دعم التعاون الثنائي قدماً.