ليس علي سبيل المصادرة ـ أو التقييد ـ لحرية التعبير عن الرأي ، ولا المصادرة ـ أو التقييد ـ علي الحق في الكلام . ولا مصادرة ـ أو تقييد ـ علي حرية المناقشة أو الجدل أو المشاركة بالقول ، أو الإشارة . وإنما فقط علي سبيل الرصد . فقد تلاحظ لنا أن بعضنا ـ إن لم يكن معظمنا ـ يستهويه الكلام عَمَّال ـ العمال : كثير العمل أو الدائب عليه ، علي بَطَّال ـ والبطال كثير التوقف عن العمل ، فيما يعنيه ، وفيما لا يعنيه ، وفيما يفهم ، وفيما لا يفهم ، وبمناسبة ، وبدون مناسبة . وقد تعددت أسباب ذلك تعدداً يستعصي علي الحصر ، من بينها : تزجية وقت الفراغ ، والرغبة في الشعور بالإمتلاء ممن يعاني خواءًا نفسياً وفكرياً ، أو الرغبة في إثبات الوجود لمن تعافه الأعين ، وتدفعه الأيدي ، وتغلق في وجهه الأبواب ، أو نتيجة الإحساس المتضخم بالأنا ، أو من ذوي الضمائر الوارمة ، أو من باب الإستعراض الفكري في مواجهة الغير . ويبقي لدينا فئتين من الناس ، فئة متخصصة محكومة بالفهم والإدراك الصحيح للأمور ، وتلك الفئة تدلي بدلوها في تلك الأمور التي لها علاقة بتخصصها ، ومجال معرفتها . وفئة أخري مأجورة من الغير ، أو تعمل لحسابها الخاص . الفئة المأجورة إما أنها مأجورة لمصلحة جماعات داخلية ، سواء كانت جماعات مصالح أوجماعات دينية ، أو جهات خارجية تعمل علي تخريب مصر . أما الفئة التي تعمل لحسابها الخاص ، فهي تلك الفئة التي تري في نفسها الصلاحية للقيام بدور ما ، فإن لم يتم اختيارها لسبب أو لأخر ، دارت في فلك من أفلاك جماعات المصالح أو الضغط أو الجماعت الإسلامية المتطرفة . والكلمة ، سواء كانت كلمة مقروءة ، أو مسموعة ، أو مرئية ، أو كل ذلك ، لها خطرها وأهميتها . في التنزيل : ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” ( الصف: 2-3 ). “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ” ( ق: 18 ).” وإذا مروا باللغو مروا كرامًا ” (الفرقان: 72) . وفي الحديث : ” فليقل خيرًا أو ليصمت ” ( متفق عليه ) . “مَنْ سلم المسلمون من لسانه ” (متفق عليه) . ” أمسك عليك لسانك ” ( الترمزي ) . فالكلمة لها دورها وتأثيرها الفاعل ـ سلباً أو إيجاباً ـ علي الفرد والمجتمع . ولذا فإن أجيال الحروب التالية علي الحرب الخشنة تعتمد في الأساس علي الكلمة . والكلمة في هذه الحروب أصبحت أقرب إلي الخلايا السرطانية التي يجري حقنها في أجساد المجتمعات . وتؤتي تلك الخلايا أكلها في صورة انهيار كامل في المجتمعات من الداخل ، لعجزها عن المقاومة ، وفشلها في تخليق خلايا بديلة لتلك الخلايا المصابة . ومصر هي إحدي الدول التي تتعرض لهذا النوع من الحروب حالياً . وقد بدأ العنصر البشري في هذه الحرب في التحرك علي الأدمغة من خلال المشاكل التي ورثتها مصر / الثورة باعتبارها مشاكل آنية ترجع إلي النظام الحالي . مستهدفاً أمرين : الأول هو استمرار انهاك مصر تمهيداً للإجهاز عليها . الثاني : هو التشهير بالنظام الحالي ، وتشويهه ، وتبغيضه للشعب ، حتي يفقد ما كان يتمتع به من ظهير شعبي ، والعبث في أدمغة هذا الظهير ، حتي ينقلب عليه ، أو يتخلي عنه ، فيقف وحيداً ، عارياً ، بلا ظهير يدفعه للأمام . ومن هنا يسهل إسقاطه . ففضلاً عن عدم وجود ظهير سياسي يتحرك في الشارع علي برنامج الرئيس وسياساته وإنجازاته ، فإن الظهير الشعبي لا يمثل كتلة متماسكة صلبة يمكن الركون إليها ، بالرغم من حالة الوعي والقدرة علي الفهم والتقييم والفرز التي تتمتع بها هذه الكتلة . وبالرغم من إدراكنا جميعاً لحجم التحدي الهائل الذي يفوق التصور ، نري الرجل وقد حقق إنجازات ضخمة في أزمنة كسرت الأزمنة القياسية العالمية علي نحو يفوق الخيال . ومع ذلك نجد من يسحب الناس إلي الإستغراق في تفاصيل التفاصيل في المشاكل اليومية التي يمكن التصير عليها ، حتي تخرج مصر من الشرنقة التي مكثت بين خيوطها لسنوات طويلة ، ولم يعد يجدي مع مشاكلها نظام المسكنات ، أو الحلول الجزئية العاجلة ، وليس أمامها سوي النهوض بكليتها، حتي ولو ارتفعت الكلفة والمعاناة . ومن هنا كانت كلمة الرئيس الموجعة التي وردت في حديث الرئيس مع رؤساء تحرير الصحف القومية ، حيث قال : ” أقول بوضوح إن التحدي هائل ، وإننا نعيش وقتاً من أصعب الأوقات ، وإن مستقبل الأمة علي المحك ” . وقال : ” نعم أنا مقاتل ، لكن ظهر المقاتل وسنده هو شعبه … يظل يقاتل طالما الشعب في ظهره ، فإذا ما تخلي عنه ، لا يستطيع القتال ” . إنها كلمات صعبة ، لا يقولها الرئيس إلا إذا كان موجوعاً . وهنا يأتي التساؤل : هل نتخلي عن الرئيس ؟! . . المواطن المصري الذي يحب بلده ، ويخوض من أجلها التحديات . حــســــن زايــــــــــد