رامي البكري
روي لنا فضيلة الشيخ احمد الهمشري عن التدين الشكلى في واقعنا المؤسف وسرد لنا موقف عن فاروق الأمة أحد سيره
سَألَ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه
عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال :
أنا أعرفه يا أمير المؤمنين.
فقال عمر : لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه ؟
فقال الرّجلُ : لا
فقال عمر : لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع ؟
فقال الرّجلُ : لا
فقال عمر : لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال ؟
فقال الرّجلُ : لا
فقال عمر : لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً ؟
فقال الرّجلُ : أجل
فقال عمر : اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه
كان ابن الخطّابِ يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يخلعَ دينه على عتبةِ المسجد ثم ينتعلَ حذاءَه ويخرجَ للدّنيا مسعوراً يأكلُ مالَ هذا، وينهشُ عرض ذاك !
كان يعرفُ أن اللحى من الممكنِ أن تصبحَ متاريسَ يختبىء خلفها لصوصٌ كُثر،
وأنّ العباءة السّوداء ليس بالضرورة تحتها امرأةٌ فاضلة !
كان يعرفُ أن السِّواكَ قد يغدو مِسنّاً نشحذ فيه أسناننا ونأكل لحوم بعض
كان يعرفُ أن الصلاةَ من الممكنِ أن تصبحَ مظهرا أنيقاً لمحتال، وأنّ الحجّ من الممكنِ أن يصبحَ عباءةً اجتماعية مرموقة لوضيعٍ !
كان يؤمنُ أنّ التّديّنَ الذي لا ينعكسُ أثراً في السُّلوكِ هو تديّنٌ أجوف !
أندونيسيا لم يفتحها المحاربُون بسيوفهم وإنما فتحها التُّجارُ المسلمونَ بأخلاقهم وأماناتهم !
فلم يكونوا يبيعون بضائعهم بدينهم، لهذا أُعجبَ النّاسُ بهم وقالوا :
يا له من دين
الايمان الكاذب أسوأ من الكُفر الصّريح.
وفي كليهما شرّ !
والتعاملُ مع الآخرين هو محكُّ التّديّنِ الصحيح
إذا لم يلحظ الناسُ الفرقَ بين التّاجر المتديّنِ والتّاجرِ غير المُتديّن فما فائدة التّدينِ إذاً.
وإذا لم تلحظ الزّوجةُ الفرقَ بين الزّوجِ المُتديّنِ والزّوجِ غير المتديّنِ فما قيمة هذا التّديّن .
والعكس بالعكس !
وإذا لم يلحظ الأبوان الفرق بين برِّ الولد المُتدَيّنِ وغير المُتدَيّنِ فلماذا هذا التّديّن ؟
مصيبةٌ أن لا يكون لنا من حجّنا إلا التّمر، وماء زمزم، وسجاجيد الصلاةِ المصنوعةِ في الصّينِ، ووجباتِ البيك
!
مصيبةٌ أن لا يكونَ لنا من صيامنا إلا السمبوسة، والفيمتو، والتمر هندي، وباب الحارة !
مصيبةٌ أن تكون الصلوات حركاتٍ سُويديّة تستفيدُ منها العضلاتُ والمفاصلُ ولا يستفيدُ القلب !
مظاهرُ التّديّنِ أمرٌ محمود،
ونحنُ نعتزُّ بديننا شكلاً ومضموناً ولكن العيب أن نتمسّكَ بالشّكلِ ونتركَ المضمون
فالدّينُ الذي حوّل رعاة الغنمِ إلى قادةٍ للأممِ لم يُغيّر أشكالهم وإنّما غيّر مضامينهم
أبو جهل كان يلبسُ ذات العباءة والعمامة التي كان يلبسها أبو بكر !
ولحية أُميّة بن خلف كانتْ طويلة كلحية عبد الله بن مسعود !
وسيف عُتبة كان من نفس المعدن الذي كان منه سيف خالد !
تشابهت الأشكالُ واختلفت المضامين،
هل أدركنا ماذا يريد منا ديننا
إنه العبادة بمفهومها الشامل
كل ما يحبه الله ويرضاه من اﻷقوال واﻷفعال الظاهرة والباطنة
هذا هو الإسلام !