بقلم عبدالله الأقصري
” بلد بتاعت شهادات ” جاءت هذه المقولة على لسان (دسوقي أفندي) – الذي لعب شخصيته الفنان عادل إمام – في مسرحية (أنا وهو وهي) وكان يرددها استنكاراً للأوامر التى يأخذها من أبطال المسرحية ، ورغم أن هذه الكلمة عادية إلا أنها تحمل معانى كثيرة لأنه يلخص فيها الطبقية التى كانت تسود فى المجتمع المصرى فى ذلك الوقت ، وربما يوضح أيضاً أن الدولة فى هذا الوقت كانت تهتم بالتعليم وأن من يتسرب من صفوف التعليم يشعر بالنقص . لكننا إذا أمعنا النظر وحاولنا تحليل هذه العبارة ” بلد بتاعت شهادات ” ومحاولة فهمها وتطبيقها على العصر الحالى الذى نعيش فيه سنجد أن البلد لم تعد تهتم بالتعليم ولم تصبح لحملة الشهادات ، فقد تغير الحال وانقلب رأساً على عقب فمنذ أن يتخرج الشاب من كليته ويفرح بحصوله على الشهادة العليا يجد نفسه محاط بواقع أليم حيث لا عمل ولا أدنى استفادة من تلك الشهادة ، فيمكننا أن نقول أن فرحته بالشهادة تنتهى بانتهاء كوب العصير أو الحاجة الساقعة التى يوزعها على أحبائه وأقربائه فرحاً بتلك المناسبة ، وإن كان هذا الشاب محظوظاً وجد وظيفة أو مهنة بعيده كل البعد عن مجال تخصصه ودراسته ، ويحضرنى موقف رأيته بأم عينى على شاشة التلفاز حينما كانت المذيعة تلتقى بالشباب من العاملين فى قطاع النظافة وجاء الدور على أحد الشباب فسألته المذيعة منذ متى وأنت تعمل بمهنة النظافة هذه ؟ فأجاب بعد أن تخرجت من الكلية بعام وكانت الصدمة لى وللمذيعه وكنت أود أن أسئله من أى الكليات تخرجت ؟ ولكن سبقتتنى المذيعه بسؤالها كلية إيه ؟ فأجاب الشاب أنا حاصل على بكالريوس هندسة بتقدير عام جيد جداً . وعندها ساد الصمت فى المكان وأصابتنا حالة من الإستغراب ، كيف لحامل شهادة هندسة أن يعمل عامل نظافة ؟!!!
إن المشكلة صعبه وينبغى أن نواجه أنفسنا ونقف على أخطاءنا كى نصححها ، فجميعنا يعلم أن أكبر نسبة بطالة فى بلادنا أصبحت من حملة المؤهلات العليا ومازالت الجامعات والكليات تخرج لنا كل عام شباب بمؤهلات عليا دون أى ربط بينها وبين ما يحتاجه سوق العمل ، ومازال المسؤولون فى بلادنا يعيشون فى عالم آخر بعيدون كل البعد عن مشكلات وقضايا المجتمع . يا سادة مشكلة البطالة هى قنبلة موقوته وإذا تركناها دون حل فستنفجر فى وجوهنا جميعاً وستأخذ فى طريقها الأأخضر واليابس .
ومن المشاكل أيضاً التى ساهمت فى تفاقم مشكلة البطالة هى المحسوبية والوساطة فهذا لأنه يعرف المسؤل فلان يستطيع أن يعمل فى المكان الذى يريده لمجرد اتصال هاتفى أو كارت من مسئول ويأخذ بذلك حق إنسان آخر تعب فى دراسته وتخرج ليجد مكانه مشغول من آخر لم يبذل أى جهد فى تعليم أو دراسة . ربما يرى البعض أن مقولة دسوقى أفندى ” بلد بتاعت شهادات ” لا تجد لها مكاناً فى عصرنا الحالى ويمكن استبدالها بـ ” بلد بتاعت كوسه ” وجميعنا يعرف معناها الوساطه أو المحسوبية .
حل مشكلة البطالة بين شباب المؤهلات العليا يمكن أن يتلخص فى نقطة واحده ألا وهى التنمية الحقيقية وإقامة مشروعات ومصانع ومدارس ومستشفيات ومؤسسات تسستوعب الشباب وكذلك لابد من الربط بين التعليم وسوق العمل حتى لا تخرج الكليات أعداداً غفيرة من حملة المؤهلات دون توفير فرص عمل لهم وتتفاقم المشكلة .
قليلاً من الحكمة يا سادة