المنيا علاء سليمان
الجغرافيا الطبية تمثل فرعاً من فروع الجغرافيا التطبيقية الحديثة، وهي تختص بدراسة التوزيع الجغرافي للأمراض وإبراز العلاقة بينها وبين عناصر البيئة الجغرافية الطبيعية والبشرية، وتقييم آثارها السلبية على حياة الإنسان وعلى أحواله المعيشية والاقتصادية وعلى قدراته المختلفة، والبحث عن أساليب مكافحتها والوقاية منها، وفي مدى توفر الخدمات الطبية والصحية واللازمة لعلاجها ولرفع المستوي الصحي العام للمجتمعات البشرية.
وظهرت البذور الأولي للجغرافيا الطبية في الكتابات القديمة للجغرافيين اليونانيين الأقدمين، منذ عهد الطبيب الإغريقي (أبو قراط) في القرن الخامس قبل الميلاد (360 – 377 ق.م) وفي كتابات بعض المفكرين المسلمين خلال القرون الوسطي مثل المسعودي الذي تحدث في القرن العاشر الميلادي في “مروج الذهب” عن البيئة وصحة الإنسان وابن حوقل الذي جاء في نفس القرن وتحدث في “المسالك والممالك” عن العلاقة بين المناخ والأجناس البشرية ومظاهر النشاط البشري ثم أبن خلدون الذي بعد ذلك بحوالي أربعة قرون وبعد ذلك عاد الحديث عن تأثير البيئة علي الإنسان يزداد ويقوي خلال القرن التاسع عشر في ظل نظرية الحتمية البيئية التي حمل لواءها راتزل وغيره من الحتميين الذين بالغوا في تصوير أثر البيئة علي الإنسان في مختلف جوانب حياته وعلي لونه وبنيته وقوة جسمه وعلي طباعة وعاداته وحالات النفسية.
الخرائط الطبية
بدأت بعض المؤسسات والجمعيات الجغرافية تنشر الخرائط التي توضح التوزيع الجغرافي لبعض الأمراض سواء علي مستوي العالم أو في بعض البلاد وظهرت أول خريطة طبية وهي خريطة ألمانيا الطبيعية سنة 1837 وهي خريطة عامة لتوزيع الأمراض في العالم وفي ذلك الوقت نشرت العديد من الخرائط الطبية الأخرى التي يوضح بعضها توزيع الأمراض بصفة عامة في العالم أو في مناطق معينة ويوضح بعضها الآخر توزيع أمراض خاصة مثل مرض الكوليرا، الذي كان قبل نجاح الجهود التي بذلت لمكافحته يجتاح العالم بشكل رهيب ويقضي علي ملايين الأنفس خلال أيام قليلة.
ونظرا لقلة الإحصاءات الطبية فقد كانت خرائط التوزيعات الطبية الأولي تنقصها التفاصيل ومنذ بداية القرن العشرين بدأت خرائط التوزيعات الطبية ترسم بشكل يوضح مناطق ظهور الأمراض وأصبحت تظلل وتلون بظلال أو ألوان متدرجة حسب كثافة الإصابات.
وكانت هذه الخرائط تزداد دقة وتفصيلا بمرور الوقت لتقدم الإحصاء الطبي وأساليب تشخيص الأمراض وتسجيلها ومن أمثلة الخرائط الطبية المشهورة التي نشرت:
1- الخرائط التي نشرت في “أطلس العالم للأمراض” أصدرته الجمعية الجغرافية الأمريكية في سنة 1956.
2- الخرائط التي نشرت في “أطلس العالم للأمراض الوبائية” الذي نشرته جامعة هيدلبرج بألمانيا الغربية.
3- الخرائط التي نشرت في “أطلس القومي لوفيات المرض” الذي أصدرته الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية.
ونذكر علي سبيل المثال أهم الخرائط الطبية التي ظهرت علي مرض الكوليرا.
الكوليرا
ظل هذا المرض مثار رعب للعالم طوال القرن العشرين حيث كان ينتشر من وقت إلي آخر بشكل أوبئة تجتاح أقاليم واسعة وتحصد عشرات الآلاف من الأنفس في مناطق انتشارها والمعتقد أن المواطن الأصلي لهذا المرض هو الهند.
وقد حدث أول وباء من أوبئته العالمية الكبرى فيما بين سنتي 1816 و1833 حيث اجتاح كل جنوب شرقي آسيا وانتقل شرقا إلي الصين واليابان وغربا إلي العراق وشرقي البحر الأبيض المتوسط وشرقي أفريقيا ومنذ ذلك الوقت ظلت أوبئته تجتاح العالم بشكل غزوات تستمر سنوات عدة وتفصل بينها فترات ينحسر أثناءها المرض وتساعد علي انتشار الكوليرا ظروف بيئية مختلفة أهمها التلوث ألمائي والغذائي وانخفاض مستوي النظافة والوعي الصحي وانعدام الرقابة الصحية علي المشتغلين بإنتاج الغذاء وإعداده وتوزيعه وعدم توفر المياه الصالحة للشرب وسوء استخدام مواردها العامة مثل الترع والقنوات والآبار وتلويثها بالإفرازات البشرية والاغتسال فيها.
ويكفي أن توجد بئر واحدة ملوثة بميكروب الكوليرا لكي ينتشر المرض بشكل وبائي في إقليم عظيم الاتساع.
ونتيجة لمعرفة أسباب الكوليرا وعوامل انتشارها ففقد بجحت الجهود التي بذلت لمقاومتها في تقليل أوبئتها وفي حصرها في حالة ظهورها في مناطق محدودة ولفترات قصيرة نسبيا وقد كان آخر الأوبئة العالمية الكبرى هو الوباء الذي حدث فيما بين سنتي 1865 و 1875 حيث اجتاح كل العالم تقريباً.
الأمراض الرئوية المهنية
– حمي المصانع : تظهر حمي المصانع في هيئة ارتفاع متوسط في درجة حرارة الجسم يحدث فقط عند التعرض لأتربة القطن الكتان القنب الكالول لأول مرة ويصاحب الحمى سعال بسيط مع مظاهر التهاب الأنف والإغراض المتوسطة الشدة تختفي عند استمرار التعرض وترجع الحالة إلي سموم داخلية مشتقة من بكتريا سلبية الجرام (-Ve) في الأتربة وقد أشير إلي أن مرض البسينوزس لا يصيب الأشخاص الذين ليس لهم تاريخ سابق للإصابة بحمي المصانع.
– سعال النساجين : يشكل سعال النساجين نوعا من أنواع الربو المتاجر المصاحب بالحمى والوعكة وقد شوهدت أغراض الإصابة بالمرض بن متداولي بالات القطن المعالجة بعجينة الدقيق أو خلاصة حبوب التامارئد وكان يعتقد أن المرض يحدث بسبب الفطريات التي تشوبها.
– حمي “صانعو المراتب”: شكلت حمي “صانعو المراتب” كنوع من أناع التهاب الاسناخ اللاليرجيري الناجم عن التعرض لعوامل خارجية وشوهدت الحمى بين منتداولي القطن المشوب بالإيروبكتيريا كلواكا وتبدأ الإعراض في الظهور خلال 6 ساعات من بدء التعرض وتشمل: الحمى/ الوعكة/ الميل للقيء/ والقيء ولم تشاهد أي مظاهر أبوية.