كتبت ناريمان حسن
باتخاذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره بنقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، يكون قد نفذه وعده الذى منحه لناخبيه أثناء فترة ترشحه، ويكون أيضًا قد وضع حجرا جديدا فى بناء “تهويد القدس” وسلب تاريخها، وهو البناء الذى شيد على مدار سنوات طويلة من سرقة التاريخ والاعتداء على المقدسات.
أولى خطوات سرقة القدس بدأت فور انتهاء حرب عام 1948 وقبول الأطراف العربية الهدنة الثانية، فبعد الحرب كانت حوالى ثلثا القدس قد وقعت بالفعل تحت يد الإسرائيليين حيث استولوا على 66% من أراضيها، فى حين بقى الثلث بما فيه البلدة القديمة والمنطقة المقدسة فى يد العرب.
لكن الاستيلاء الكامل على المدينة لم يبدأ تخطيطه بالفعل إلا بوقوع هزيمة عام 1967، فعقب النكسة بـ 3 أيام فقط، وفى 8 يونيو 1967 كان الحاخام شلومو غورين حاخام جيش الدفاع الإسرائيلى واقفا على الحائط الغربى للحرم القدسى ( حائط المبكى ) يقيم شعائر الصلاة اليهودية، إيذانا بسرقة هوية المدينة.
بعدها بعدة أيام عقدت الحكومة الإسرائيلية عدة اجتماعات، ثم اتخذ الكنيسيت قراره بعد الحرب بثلاث أسابيع وتحديدا فى 27 يونيو 1967 لضم القدس إلى إسرائيل، ولأجل تنفيذ هذه الخطوة نقلت إسرائيل بعض مقراتها الحكومية إلى القدس، وهكذا كان أول قراراتها إلغاء مناهج التعليم العربية فى مدينة القدس، وإطلاق الأسماء اليهودية على الشوارع والساحات، كما هدمت حى المغاربة فى القدس وأجلت سكانه بأكملهم من المدينة، وكذلك أجلت اغلبية سكان حى الشرف، وفى المقابل أقامت حزام من تسعة أحياء سكنية يهودية حول المدينة، وهو الأمر الذى استهجنته اليونسكو التى طالبت اسرائيل بالتوقف عن تشويه طابع المدينة الحضارى.
وقد بدأت إسرائيل عدة إجراءات ثقافية لمحو التاريخ العربى بداخله، ومن أوله الحفريات التى أجرتها اسرائيل أسفل المسجد الأقصى للبحث عن بقايا هيكل سليمان أو معبد الملك سليمان الذى يدعى اليهود وجوده والذى دمره الرومانيين عام 70 من الميلاد، ورغم عدم اكتشافهم لأى من آثار هذا المعبد إلا أن حفرياتهم تسببت فى تصدع عدد من المبانى التاريخية فى محيط الحرم.
وفى عام 1969 قام مايكل دينس روهن اليهودى والاسترالى الجنسية بحرق المسجد الأقصى وهو الحريق الذى دمر المنبر الذى خطب من فوقه صلاح الدين الأيوبى بعد فتحه القدس بالمسجد الأقصى، وكذلك مسجد عمر بن الخطاب بالحرم القدسى ومحراب زكريا، وقامت إسرائيل بعدها بإخلاء سبيل دينيس وترحيله إلى استراليا بدعوى “جنونه”.
فى 30 يوليو عام 1980 أقر الكنيست الإسرائيلى اعتبار مدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل رئاسة الدولة والحكومة والكنيست إليها، وفى ذلك الوقت كانت هناك حوالى 468 وحدة سكنية يسكنها 1800 يهودى قد أقيمت على أنقاض أحياء عربية تم هدمها فى القدس.
فى اليوم التالى، انعقد مجلس الأمن وأصدر القرار رقم 478 والذى أدان فيه هذا الضم، واعتبره انتهاكا للقانون الدولى، ودعا الدول الأعضاء إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة، وهو القرار الذى صدر بأغلبية 14 صوتا مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وهو ما التزمت به الجمعية العمومية للأمم المتحدة بكامل أعضائها، حيث لا يوجد أى بعثة أو سفارة أجنبية فى مدينة القدس حتى اليوم.
وتزامنا مع كل تلك الإجراءات نشط المتطرفين اليهود فى محاولة ترويع العرب من التواجد فى المنطقة، فتم اكتشاف مؤامرة قادها حاخام اسرائيلى هو مئير كاهانا أعد فيها لنسف الحرم القدسى لكن المتفجرات تم العثور عليها فوق سطح أحد المنازل قبل تنفيذ الخطة، بعدها بثلاثة أعوام وفى 1983 تسلل 46 اسرائيليا يحملون صناديق متفجرة إلى المسجد قبل أن يشتبك معهم حراس المسجد الأقصى ويحبطوا المخطط، وفى إبريل من عام 1982 اقتحم جندى اسرائيلى المسجد الأقصى وقتل حارسا وأحد المصلين، ولم يحكم عليه سوى بعام واحد فقط من السجن.
بحسب مركز المعلومات الفلسطينى “وفا” فإنه ومنذ عام 2000 وحتى عام 2012 تم هدم 1224 منزل فى القدس الشرقية، وتشريد 4966 شخص، وبلغت خسائر الفلسطينيين جراء سياسة الهجر والتشريد حوالى 3 ملايين دولار، أما عدد المستوطنين فى القدس فقد بلغ 267643 مستوطنا أغلبهم موجودون فى القدس الشرقية، ولم يتوقف الأمر عند الأحياء بل طال الأموات أيضا، قبل أن تعلن اسرائيل فى عام 2013 فى بناء 18 ألف وحدة سكنية فى مستوطنات القدس الشرقية لتوسيعها.
اليوم يشهد العالم خطوة جديدة تستكمل خطوات تهويد القدس التى بدأتها اسرائيل منذ قيامها، بقيام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالتصديق على قانون نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس، ذلك القانون الذى تمت الموافقة عليه عام 1995 فى الكونجرس ولم يصادق عليه أى رئيس امريكى من قبل، إذ كانت عادة الرؤساء الأمريكيين (كلينتون ، بوش ، أوباما ) اتخاذ قرارات تنفيذية بتأجيل التصويت 6 أشهر.