بداية لابد من التصريح بالقول أنني كنت من المفتونين بكتب سيد قطب . وقد كانت فتنتي بكتبه لأسباب من بينها : حالة الشغف الشديد التي كانت تلهب وجدان الشباب في البحث والتنقيب عن الكتب الممنوعة . وقد كانت كتب سيد قطب من الكتب الممنوعة ، أو التي أشيع أنها ممنوعة لأسباب تسويقية وترويجية لفكر الجماعة ، فقد كان الكتاب يتعدي في عدد مرات طبعاته العشر طبعات أو يزيد . وقد كان اقتناء الكتب الممنوعة دلالة تميز وتفرد بين الأقران . ولعل في ذلك ما يعطي إشارة ودلالة علي أن دحض الأفكار الهدامة ، وتقويض لبناتها ، ليس بالمنع ، الذي يُشعل رغبة البحث عنه ، وإنما بالمواجهة بالنقد والنقض . ومن الملفت للنظر كذلك أن تلك الكتب كانت تحظي بعناية فائقة من دار النشر . من حيث نوع الورق ، وطريقة الطباعة والإخراج . ومن بين الأسباب كذلك ، قدرة سيد قطب علي توظيف الأساليب الأدبية في صياغة أفكاره الدينية ، تلك الصياغة التي تخاطب العقل ، وتداعب الوجدان ، بحيث تبدو القضايا التي يثيرها أو يتناولها في حلة جديدة ، تختلف كل الإختلاف عن أساليب من سبقه من مشايخ الأزهر أو علماء الدين ، حيث اللغة المتخشبة ، والأسلوب الجاف ، الذي لا يجاوز الحناجر إلي ما عداها ، وذلك رغم التحفظات التي يبديها البعض علي الأسلوب الأدبي في تناول القضايا الدينية . وهذا يلفت إلي قضية تجديد الخطاب الديني ، حيث يتعين الإلتفات عن الأساليب الكلاسيكية القديمة ، التي لا تجد لها صدي في نفوس الشباب ، والأخذ بالأساليب الحديثة التي تتسم بالرشاقة والحيوية ، ومخاطبة العقل والوجدان معاً . أو بمعني آخر التخلي عن اللغة الأكاديمية المتخصصة عند مخاطبة الشباب والشارع . فاللغة الأكاديمية قد لا تجد إقبالاً من الناس علي التعامل معها ، أو تعاطيها ، بنفس درجة الإقبال علي اللغة العربية الشعبية ، التي تخاطب غير المتخصصين . ومن هنا كانت لكتابات الإخوان جاذبية خاصة ، بغض النظر عن انحرافها ، أو تطرفها . وقد كان من بين الأسباب كذلك ، إعدام سيد قطب ، بغض النظر عن مدي موضوعية أو عدم موضوعية الأسباب التي أفضت إلي إعدامه . ونجاح الإخوان في الترويج لاستشهاده في سبيل أفكاره ومعتقداته ، بغض النظر عن كونها أفكار وفقط ، أو حتي أفكار حركية تجد أصداءها في تصرفات معتنقيها . وفي المقابل تجد سكوتاً مطبقاً من جانب الدولة الرسمية في مواجهة هذه الدعايات التي قد تنطوي علي أكاذيب فاضحة . فهذه الدعاية قد تركت في النفوس انبهاراً برجل قد مات من اجل افكاره ، وفي المقابل كرهاً وبغضاً لسلطة تقتل الرجال بسبب أفكارهم . كل هذه الأسباب وغيرها قد دفعتنا دفعاً إلي الإرتماء في أحضان هذه الكتب ، ولم يكن لنا عليها التحفظات الحالية ، نظراً لسكوت المؤسسة الدينية بفروعها وعلماءها عما تحويه من أفكار ، وقد كان في ذلك إشارة ودلالة واضحة علي أخذ هذه الأفكار تذكرة المرور . واليوم تفاجأنا بما يشبه الصدمة بالأراء التي تقول بأن سيد قطب بما كتبه وخطه كان منظراً للفكر التكفيري ، وأنه المعين الذي لا ينضب الذي تغترف منه الجماعات الإرهابية المتطرفة مرجعيتها الفكرية والحركية . وقد دعمت هذا الاتجاه حركة الإخوان بغباوة ردود أفعالها وحمقها إزاء ثورة الشعب المصري عليها . ثم جاء ما أدلي به د. محمد حبيب ،النائب الأول لمرشد الإخوان سابقاً ، في حوار متلفز ، حول أفكار سيد قطب ، ليؤكد الفكرة ويدعمها . فقد حكي أنه قد طُلب من د . يوسف القرضاوي مراجعة كتاب الظلال ـ وهو كتاب التفسير القطبي للقرآن ـ لبيان ما به من آراء تكفيرية . عاد إليهم القرضاوي ليقول لهم بأنه : ” يرشح كفر ” . الغريب في الأمر أن هذه الكلمات لم تحرك ساكناً لدي المؤسسات الدينية ، ولم تحرك ساكناً لدي علماء الأمة ، كي يفتشوا في هذه الكتب تفتيشاً دقيقاً ، بحثاً عن مواضع التكفير والتجهيل فيها ، بعد عرضها علي الكتاب والسنة ، فيخرجوا لنا بكتب ترد علي هذه الكتب ، وتبين أوجه خطورتها علي الفكر والعقل والدين . ولا تكون هذه الكتب من باب الكتب التي تلف وتدور حول الموضوع دون الولوج فيه ، ثم تخرج علينا بكيل الإتهامات للفكر المتطرف التكفيري دون بيان ماهيته . كذلك الكتاب الذي صدر عن المجلس الأعلي للشئون الإسلامية ـ سلسلة قضايا اسلامية ـ العدد ( 228 ) ـ تحت عنوان : نحو تفكيك الفكر المتطرف ـ بحوث مختارة من أعمال المؤتمر الخامس والعشرين للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية . فهو كتاب أبعد ما يكون عن التفكيك . إذ التفكيك هو تجزئة النص محل الدراسة إلى فقرات ، وفصل مكوناته الفكرية واللغوية ، ومن ثم إرجاعها إلى أسبابها وملابساتها ، في ضوء السياق الذي ورد النص فيه ، مع مراعاة عدم الخروج عن إطاره . والمحلل في ذلك كله ينتقل من المركب إلى البسيط ، ومن الكلي إلى الجزئي . ومن هنا تتكشف أوجه العطب والخلل الموجودة في ثنايا هذه الكتب . فهل يشمر علمائنا عن سواعد الجد للبحث في كتب الجماعة وتفكيكها ، وبيان أوجه مخالفتها للشريعة الإسلامية ، علي نحو جاد وقاطع ، بما يدفع معتنقي هذه الأفكار إلي التراجع عنها ، وتصحيح وتصويب أفكارهم ، وتقويم مسالكهم علي ضوء ذلك ؟ ! . حــســــن زايــــــــد