أم حسن وأم سحلول !
المشهد الأول
عاد أبو حسن من عمله مرهقا منهكا بعد يوم شاق من العمل، يجر رجله جرا ويكاد يزحف من فرط التعب، ورغم ذلك تعلو الابتسامة شفتيه .. يحمل في يده بطيخة من النوع الثقيل، فتجري زوجته تحمل عنه ما في يده من ثقل وتبتسم : “أعلم أنك تعشق البطيخ، ولكن في المرة القادمة أرجو أن يكون عنبا” فيضحك لمداعبتها ويقول : “حاضر لا تقلقي” فيكشف ثغرها عن ابتسامة امتنان فيبادلها الابتسامة لترفع يدها داعية: “ربنا لا يحرمنا منك وتعيش وتعيشنا في خيرك” وتدعو الأبناء قائلة : جاء أبوكم ، فيقبل الأبناء على ابيهم فرحين محتضنين والدهم فيذهب الأب إلى غرفته لتبديل ملابسه، في حين ترتسم على الأم علامة الشفقة وتقول لأبنائها :
” كم يتعب أبوكم من أجلنا، إنه يستحق تمثالا يصنع له، إياكم ومضايقته واحذروا تنغيص يومه بمشكلاتكم فبه ما يكفيه “
وفي اليوم التالي يذهب حسن إلى مدرسته فيطلب منه المعلم في حصة التعبير أن يصف أباه فيقول :
“أبي شخصية عظيمة لا يدخر وسعا في إسعادنا وإدخال السرور على قلبنا إنه رمز الحب والحنان .. أبي يستحق أن يصنع له تمثال “
المشهد الثاني
عاد أبو حسن من عمله مرهقا منهكا بعد يوم شاق من العمل يجر رجله جرا ويكاد يزحف من فرط التعب، ورغم ذلك تعلو الابتسامة شفتيه .. يحمل في يده بطيخة من النوع الثقيل فتجري زوجته منزعجة من صوت الجرس وأسرعت حتى لا يطيل الضغط وحين رأت البطيخة امتعضت وقالت : ” بطيخ ؟! ألم أقل لك إني أريد العنب؟ “
قال لها أعوضها لك في المرة القادمة، لا بأس .. ليست هناك مشكلة ! فتثور في وجهه قائلة :
“كل شيء عندك بسيط، وليس هناك أي مشكلة، أنت لا تفكر إلا في نفسك” وتتركه لتشاهد التلفاز.
يزحف أبو حسن إلى غرفته ليبدل ملابسه، فتقول لأبنائها : “قلت لكم إنه لا يفكر إلا في نفسه ويهمل طلباتي، خذ يا حسن البطيخة وارمها في الثلاجة، وتستطرد قائلة :
” يأتي من عمله البسيط فرحا، ولا يدري كم عانيت طول اليوم مع تنظيف البيت وطهي الطعام و … و…. ولا يشعر بما أعانيه ، لكم الله يا أبنائي فقد ابتليتم بأب لا يفكر إلا في نفسه وملذاته !
وفي اليوم التالي يذهب حسن إلى مدرسته فيطلب منه المعلم في حصة التعبير أن يصف أباه فيقول :
“أبي شخص لا يفكر إلا في نفسه وملذاته، يقضي حياته سعيدا في عمله البسيط المريح ، لا يشعر بأمي وإخوتي ولا بي.. لنا الله من هذا الأب القاسي” !
بطل القصتين هو أبو حسن نفسه، ولكنه مع أم حسن بطل ومكافح ويستحق الشفقة والتقدير فيترسب في الأبناء تلقائيا حب والدهم وتقديره وتبجيله، لدرجة أنهم لو طالوا أن يصنعوا له تمثالا لفعلوا !
في حين تزوج أبو حسن من أم سحلول، فرأى الأبناء في أبيهم الشر كله، وسيدوم هذا الانطباع، ومهما فعل من أجلهم فمصيره العقوق ممن ضحى بعمره لأجلهم، ولن تتغير صورة الأب القاسي من أعينهم، ومهما فعل فهو أب سيء لا يفكر إلا في ملذاته !
هناك زوجة صالحة ذكية تستطيع أن تجعل من بيتها جنة للسعادة يرفرف النعيم ويمرح الرضا بين أركانه، فيدوم الود والتراحم والسرور والبر في هذه الجنة المسماه بيتا صغيرا، وعلى النقيض يتحول البيت إلى جحيم مع أم سحلول التي تنغص على زوجها حياته، فيكره البيت ويكره اليوم الذي عرفها فيه ويبدأ في الشعور بالاغتراب داخل بيته مع زوجته وأولاده فتزداد الهوة اتساعا بينه وبينهم، وينشغل بعالمه الخاص، فيلجأ إلى أصدقاء المقهى أو إلى الانعزال ويكره بيته، فيقوم الأبناء بتفسير ذلك بأنه مهمل لهم ولا يحبهم ولا يلعب معهم مثل العم فلان والعم علان، ولا يعلمون أن العم فلان والعم علان كلاهما متزوج من (أم حسن) أما مصيرهم فمرده وعلته أنهم أبناء أم سحلول صاحبة التكشيرة الشيطانية واللسان الإبليسي لذي يشبه لسان النار الذي يخرج من مدفع النابالم !
أم حسن مشغولة بكيفية صنع السعادة، إحساس الرضا بداخلها يدفعها إلى أن تقص على أبنائها يوميا ما يعانيه أبوهم، وكمّ تضحياته من أجلهم، وكم عانى وكم تعب وكم تحامل على نفسه؛ كي يصنع لهم المستقبل الذي يتمنون، فيزداد البناء حبا وتقديرا وإجلالا لتلك الشخصية العظيمة التي قلما يجود الزمان بمثلها ! ويتوزع بر الوالدين على الشخصيتين العظيمتين أبي حسن وأم حسن .
وأم سحلول تتفنن في صنع الخلافات والظهور بمظهر المسكينة الشهيدة التي تحملت ما لا يتحمله بشر لأجل أبنائها، فتنال تعاطف الأبناء الذين ينساقون بعواطف البنوة نحو الأم التي تجلس معهم طوال اليوم في البيت تبث سمومها، وتنال من أبيهم في غيابه وتنتقد أمامهم كل ما يفعله، وتفسر كل تضحياته بأنها أفلام هندي !
أبو حسن يكبر أبناؤه على المحبة والتقدير وبر والديهم فيظل بصحته النفسية والجسدية ومكانته اللائقة .
أما مع زوجته أم سحلول فيشيخ قبل الأوان وتنهش فيه الهموم والأمراض ويعاني الوحدة والآلام، ويكبر أبناؤه على العقوق، وعدم الاحترام فلا يستوي الظل والعود أعوج !
ومهما فعلت أم سحلول فسوف ينالها من العقوق من نال أباهم أيضا، لأنها لم تبثه فيهم منذ الصغر!
لذلك أمرنا الرسول بالتأني في اختيار الزوجة والظفر بذات الدين والبعد عن خضراء الدمن وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء .
كذلك أحذركم من التدين الشكلي الذي يأخذ من الإسلام الطقوس الظاهرية بلا تمعن في حال الجوهر، وفترة الخطوبة فرصة طيبة لجس نبض كل منهما لصاحبه واستنباط الظاهر والباطن من خلال تصرفات الشخصية، فلا يكفي كون العريس أو العروسة (ابن ناس) فهناك شخصيات سيكوباتية مريضة نفسية كفيلة بتحويل شريك الحياة إلى جحيم ..
وكما رأينا .. فأبو حسن شخصية عظيمة مع (أم حسن)، وهو نفسه شخصية أنانية كريهة مع (أم سحلول)
تعددت الأمهات وأبو حسن واحد !