« آمانة الكلمه ، وصدق الخبر » إلاّ لدى رجالٍ إختارهم الله وهو وحده وهبهم هذه الإستعدادات، وأوحى إليهم للقيام بمهمة إلقاء الكلمة ، وصدقية الخبر لمواجهة أهل الباطل ،والعناد ، والمكذبين المعاندين الذين استعبدهم الإرث والإلف ، والعادات المتصلبه في الفكر ، والمعتقد والسلوك بكلمه خبيثه منهم يهدمون الدول ، وبالخبر الكاذب يشتتون ، ويفرقون شعوبها .
لقد كان الخبر الذي جاء به كل نبيٍّ وبلغ قومَه هو ذلك الخبر الأولي البسيط ، والذي كان مفتاح العقائد ، والشرائع السماوية الذي قامت عليه ثقافة الخبر الصادق ، هو خبر الوحي الذي كُلف به الأنبياء ، والرسل الذين إصطفاهم الله ليُبلغوا شرائعهُ نعم إصطفاهم الله ليبلغوا شرائعهُ فهل يُدرك من يحمل القلم ، ويلقي الكلمة هذا المعنى هل يُدرك أنه يقوم بعمل عظيم « بكلمه تُبنى بها الدول ، وصدق الخبر تُجمع شعوبها ».
إقتضت السنة الإلهية أن يكون مُبلغُ البشر إنسانًا من جنسهم ، يدعوهم بلسانهم ، ويخاطبهم بالأساليب التي إعتادوا عليها ،ويوظف طاقاته التي أودعها الله فيه لغرض أساسي فقط ألا وهو الدعوة إلى التوحيد الخالص ، ونبذ الأنداد، ومحاربة مظاهر الشرك ، والتطرف ، والبشارة والنذارة، ثم تربيتهم وقيادتهم ، وتوجيههم إلى ما يصلح حالهم ويبنى أوطانهم .
إن ثقافة الخبر الصادق توفر المسافة الفكرية بين الشعوب وبعضها ،وبين الحاكم ، والمحكوم ، وبين الحكم ، والممارسة ، وبين النص ، والتطبيق ، وتختصر إستهلاك الطاقة النفسية التي يمكن أن تتبدد في الجدل ، والشك ،وأشكال النشاط الفكري ، والعقلي ، و البدني أيضاً الناتج عن المماحكة والمراء، وتظهر ميزة هذه الخاصية عند البحث في تحليل طبيعة الثقافات التي تتبنى ثقافة منحازة ،أو منحرفة أو متحيزه حيث يظهر الصراع الذي يستهلك الطاقات ، والموارد الفكرية ، والنفسية .
لم يكن طريق آمانة الكلمة ، والخبر الصادق ، لُيصبح ثقافة عامة طريقاً سهلاً ممهداً بالورود ، لا والله بل مملوءاً بالصعوبات ، والصراعات والعقبات ، ولكن من تلك الصعوبات ما هو بنائي ،ووظيفي من مكونات المجتمعات وعوامل بنائها .
ومن تلك الصعوبات ، تُفرز ، وتميز ما بين ما هو آميناً حقاً بكلمةُ ، وصدقهُ في الخبر ، ومن غير ذلك ، ومن إعتاد على السير في خُطى المهنية بإلقاء كلمه تبنىٓ بها الدول ، وصدقهُ في خبر يُجمع شعوبها ، ومن يهدم دولة بكلمة ، ويشتت ويفرق شعبها ” بخبر ” شتان ما بين هذا ، وهذا .
إن الخبر الإعلامي ، وغيره من الآخبار لابد من أن يتحرى فيها الصدق ،و من أي وسيله جاءت ، وفي أي بلد كانت ، ومن أي جهة ، ومن أي مصدر ، وما يحمله من رساله من نوعاً ما، لأن خطورة الخبر الكاذب وما يحملهُ من رساله خبيثه غايتهُ هدم الدول وتفريق شعوبها التي تكُمن فيها قوتها .
وهذه الآخبار المستهدفه تؤثر على بناء الدول ، وعلى شعوبها بسبب عملية تراكمية مستمرة لا تتوقف على مدار الساعة فتعمل على تشكيل ثقافتنا من خلال عدم وعي شعوبنا ، فتكون أحكامنا، وتصوغها ، وتوجه إتجاهاتنا ، وتسيطر على طريقة تفكيرنا ، وتقودنا بحيث يصدر سلوكنا وفق تخطيط مسبق ، فهو في في حقيقةُ يُصادر حريتنا بعملية إختيارية ، وبطريقة لا إرادية ، عندما نطابق بين مضمون الخبر ، وبين شخصيتنا وطموحنا ، تستوي في هذه العملية أصدق الأخبار وأكذبها .
وختاماً ؛ إننا نسقط شخصيتنا على الخبر ، ونفرغ همومنا ، ومصادر قلقنا ، وكل ما يضطرب في داخلنا من توتر ونبيرة التشاؤوم التي رسخوها في أذهننا، ويغلي في مرجل اللاشعور تحت ضغوط الشعور والاوعي من مكنون الغرائز ، والإنفعالات الأولية والرغبات المكبوتة ، نفرغ كل هذا على نشرات الأخبار ، وصفحات الجرائد ، وفي التهامس المريب والمشبوه بين مرتادي المجالس ، ومدمني الغيبة ، والنميمة ، وفي كهوف الدسائس ، والشبهات التي يحرص أصحابها ومروجوها على تزيينها بكل وسائلانُنا وفي آذهان شبابُنا بالخداع ، والتزييف ، في محاولة لإجبار شبابُنا الذين يعُدون قوة هذا الوطن على الانجراف وراء الباطل ، وفي هذا الإطار يمكن في بعض ما يحدُث الآن على الساحة الإعلامية ،والفكرية والثقافية الخبيثه .