متابعة.. هبة مكاوي
الشهادة في سبيل الوطن ليست مصيرا سيئا بل هي خلود في موت رائع
دعا الكاتب الصحفي أحمد بلال الصحفي بالمصري اليوم إلى إقامة متحف يضم متعلقات الشهداء
متأثراً بما تركه الشهيد مصطفى عبيدو، آخر أبطال سيناء قائلا:
بيادة وقايش، وثلاثة أقلام ومبلغ من المال بالكاد يتجاوز المئة جنيه، هذا كل ما تبقى من الشهيد العقيد مصطفى عبيدو. الصورة تم تداولها بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. توقفت عندها كثيرًا، حاولت كتابة التعليق المناسب أكثر من مرة، خانتني الكلمات وغابت عني التعبيرات ولم تسعفني أفكاري، وهل هناك كلمات على قدر قيمة الشهادة في سبيل الوطن!.
لم تتسع الصورة لكل ما تبقى من الشهيد مصطفى عبيدو. الدماء مازالت على رمال سيناء، وما تبقى من جسد في تراب مصر، وطفلين فقدا الأب وحنانه وتيتما في سن هم أحوج فيها من أي سن آخر لأبيهم. لم تتسع الصورة لأسرة كاملة اتشحت بالسواد والألم، واليتم والترمل والفقد، وأصدقاء فقدوا صديقهم. لم تتسع الصورة لمصطفى عبيدو الإنسان، الذي ترك كل هذا خلف ظهره في سبيل وطنه ووحدته الترابية.
كرم الله بني آدم، والشهداء هم أكرم الأكرمين، الشهداء ليسوا أرقامًا ولا أعدادًا نسردها وننساها، أو نضيف عليها. الشهداء لا يخضعون لقواعد الجمع والضرب والطرح والقسمة.
لكل شهيد حكاية، وأسرة، وأطفال وزوجة وحبيبة وأخوة وأم وأب وأصدقاء، لكل شهيد بدلًا من الحكاية ألف، وفقدانه يعني آلاف الأوجاع لكل من حوله، من تيتموا ومن ترملوا ومن ثُكلن. لكل شهيد أيضًا قصة تضحية وبطولة تدعو للفخر والاعتزاز.
وحده وبمحض إرادته، يتخلى الشهيد عن كل هذا، عن أحلامه الشخصية والإنسانية، عن أطفاله وأسرته، وحبيبته وزوجته، وأمه وأبيه. يترك كل هذا خلف ظهره، وعلى كفيه سلاح وعلم، سلاح يقاتل حتى النفس الأخير، وعلم إما أن يرفعه أو يلف به بدلًا من الكفن، ما يجعل الشهادة واحدة من أنبل القيم الإنسانية في تاريخ البشرية.
والتاريخ جاء عندما جاءت مصر أولًا، هي الدولة الأولى والحضارة الأولى وكذلك التضحيات الأولى. عرفت مصر حدودها الثابتة منذ فجر التاريخ، وحافظ أبناءها على هذه الحدود بحياتهم ودمائهم، فرسمت مصر حدودها بدماء أبناءها، قبل أن تحددها خطوط الطول ودوائر العرض، وقبل أن يعرف العالم الخريطة.
هذا التاريخ المصري الطويل، وراءه تضحيات وشهداء عظام، لولاهم ما بقيت مصر مصرًا، شهداء في كل مراحل التاريخ المصري، منذ أحمس ومن قبله، وحتى الشهيد مصطفى عبيدو، ولن يكون الأخير، مرورًا بالرفاعي وعبد المنعم رياض وكل شهداء مصر على مر العصور. والحقيقة أنه لو كان هناك سببًا لاستمرار وجود الدولة المصرية والشعب المصري موحدين طوال هذه الأعوام، فهذا السبب هو الشهداء.
حقًا تحتفي الدولة بالشهداء الآن قد يكون أكثر من أي وقت مضى، وحقًا تولي القيادة السياسية تقديرًا كبيرًا لأسرهم، إلا أن الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون، يستحقون أيضًا أن يظلوا أحياء في قلوب وذاكرة شعوبهم مخلدون.
مطلب تأسيس متحف الشهداء، كان التعليق الذي رأيته مناسبًا على صورة ما تبقى من الشهيد عبيدو، نشرته وقررت تفعيل مبادرة من أجل تأسيس هذا المتحف، حفاظًا على الذاكرة الوطنية، وتكريمًا لمن ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن والشعب، ولتعريف الأجيال المقبلة، أن الأرض المدفوع ثمنها دماً، هي أرض مقدسة، لا يحوز لأحد التفريط فيها، والدفاع عنها فرض على الجميع.
متحف الشهداء، هو متحف التضحيات المصرية العظيمة، متحف يروي التاريخ المصري بشكل مختلف، تاريخ من دفعوا حياتهم ثمنًا لحرية مصر وسيادتها ووحدتها الترابية، تاريخ من تصدوا لكل أشكال الاحتلال، هكسوس وفرس ورومان وصهاينة وعربًا وغيرهم، وكذلك إرهابيين من كل الجنسيات.
متحف في سيناء، أرض الفيروز، الأرض التي لم تجف عليها دماء شهداء مصر بعد، يوثق بطولاتهم وتضحياتهم، ويضم متعلقاتهم وصورهم وما تبقى منهم. متحف يليق بأحمس والرفاعي ومنسي.. حتى لا يصبحون نسيًا منسيا.
ادعموا فكرة المتحف وانشروا الهاشتاج على صفحاتكم