كثيرة هي قصص الحب التي تعرض لنا عبر شاشة التلفاز وتكاد جميعها تلامس قلوبنا ، او قد نقرأها من خلال الكتب ، ولكن ما لا ندركه جيدا بأن ما نشاهده او نقرأه ما هو إلا جزء صغير من الواقع ، رغم اننا نعيش في عصر لا يعترف بالمشاعر. ويعتبرها الكثير منا مجرد مهاترات او تسلية ، وذلك يمكن أن يكون نتاج للانفتاح الذي نشاهده علي مواقع التواصل الاجتماعي ، ومع ذلك هذه القصة تؤكد لنا بأن الحب شئ عظيم ولكن مع من يدركون معناه جيدا .
ما بين شعار “الحرية لأسماء حمدي” و”الحرية لإبراهيم رجب”، هناك الكثير من الدراما التي لم ترها قبل ذلك في أفلام مصرية.. دراما تبدأ بسجن بطلة الحكاية وتنتهي باختطاف وحبس البطل في اللحظة التي كان يترقب فيها إطلاق سراح حبيبته، وبين الموقفين الكثير من رسائل الحب، والورود، وحكايات الوفاء.
بدأت تلك الدراما قبل ثلاث سنوات مع اسماء حمدى ، طالبة الفرقة الثانية في كلية طب الأسنان جامعة الأزهر ، التي تعرضت لانقلاب بحياتها ، عندما تحولت من إنسانة عادية إلى رقم في سجلات سجن مصري ، بعد اعتقالها أثناء حملة اعتقالات عشوائية في الجامعة ، خلال مظاهرات مؤيد لرئيس محمد مرسي عام 2013 .
وقبل هذه الفترة البسيطة ، كانت قد تعرفت اسماء علي إبراهيم خلال إحدى الأنشطة الاجتماعية ثم تقابلا أكثر من مرة بعدة أنشطة اخرى ، وكان قد بدأت قصة الحب بينهما التي زلزلها كابوس اعتقالها .
وبعد اعتقالها في عام 2013 من حرم الجامعة اقتيدت إلي قسم أول مدينة نصر الذي احتجزت فيه أكثر من أسبوعين قبل أن يتم نقلها إلى سجن القناطر الذي قضيت فيه 6 اشهر قبل أن يتم تشريدها إلى سجن دمنهور بدلتا مصر ، وتقول اسماء هي وبدخل عربة الترحيلات كان إبراهيم أول من قفز إلى راسها لتخبره بنبأ اعتقالها بعد والدتي ، تفكر كيف سيستقبل هذا الخبر ؟ وماذا سيفعل ؟ .
وتقول اسماء مرت تلك الأيام ثقيلة أسبوع وشهر وعام وعامله وثلاثة ، مشيرة إلى أن خطوبتهما تمت في السجن ، ولم يمل إبراهيم من متابعة جلساتها داخل المحاكم وتحمل عناء السفر من أجل الزيارات ، رغم أن دخوله السجن لم يكن دائما مضمونا ، لأنه ليس من أقرباء الدرجة الأولى .
لم يكن يتوقف ايضا عن البحث عن طرق لاسعادها
تسرد اسماء قائلة بأنه في أحد الأيام سافر إلى السجن خصيصا لكى يهديها الورود اثناء زيارة احد الأهالي ، وأرسل أيضا إليها خاتم زواج وقد أخذته منها السجانة أكثر من مرة ، وكانت آخر مرة عند ترحيلها من سجن القناطر إلى سجن دمنهور ، لافتا إلى تعرضها حينها لتفتيش قاس ، وأخذ الخاتم منها من قبل السجانة ورميه علي الأرض بعنف شديد .
الرسائل المهرّبة !!.
مثل المخدرات، يتم تهريب الرسائل من إبراهيم إلى أسماء داخل السجن بأعلى درجات الحرص والسرية ووفق خطة محكمة. ، كانت تلك الرسائل التي تحمل عبارات الحب ورسمات لقلوب، هي وسيلة التواصل الوحيدة في تلك الفترة..
وتروى اسماء كان القلم والورقة وطيف إبراهيم ومصحفها هما أنيسها في غياهب السجون، موضحة بأن الرسائل كان يتم تهريبها إما برشوة للسجانة وإما بطريقة ماكرة تخترعها أسماء وصاحباتها؛ لأن الرسائل المهرّبة قد تتعدى في بعض الأحيان 25 ورقة.
طريقة التعبير الوحيدة عن الحب هي الورود
تحب أسماء الورود كثيراً، ولكن رحلة إبراهيم إلى السجن طويلة تزيد على 3000 كم! بحث عن طريقة يحافظ بها على باقة الورود نضرة خلال سفره الشاق، فطلب من البائع وضعه في صندوق خاص، ونجح فعلاً في أن يصل به دون أن يتأثر بحرارة الشمس الحارقة.
الصدمة!!!!
في جلسة الحكم، كانت توقعات المحامين أن البراءة هي ما سينطق به القاضي لا محالة، ولكن الحكم الذي صدر في فبراير 2016 كان صادماً، فقد حُكم عليها وعلى كل المتهمات في القضية بالحبس 5 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، استغرق الأمر بعد ذلك نحو 10 أشهر وأكثر من 5 استشكالات حتى حكم القاضي بالبراءة.
الفصل الأخير
الدراما لا تنتهي بالبراءة، فهناك فصل جديد كان على وشك أن يبدأ؛ فقبيل حكم الإفراج بأيام كان إبراهيم بصحبة صديق لشراء نظارة جديدة لأسماء، اتصلت عليه والدة أسماء فأخبرها بأنه سيقابلها بعد 10 دقائق، لكنه لم يأتِ أبداً؛ فقد انضم إلى مئات المختفين قسرياً!
علمت أسرة إبراهيم أن قوات الأمن اعتقلته وصديقه لتقضي على أحلامه التي كان أخبر بها قبل ذلك “هافينغتون بوست عربي”؛ وهي أن يقيم احتفالات للبراءة تعوض عن أسماء شيئاً من آلامها.
ظهر إبراهيم مجدداً بعد اختفاء قسري دام 81 يوماً ولكن في النيابة، وقصّ على أسماء أنه لاقى كل أنواع العذاب في أثناء اختفائه.. كانت ثيابه أيضاً مليئة بالدماء والجروح تملأ جسده ولم يكن يقوى على الوقوف 5 دقائق متواصلة.. كان إبراهيم لسنوات يرفع لافتات “الحرية لأسماء حمدي”، والآن انقلبت الآية فاللافتة تقول: “الحرية لإبراهيم رجب”.