بقلم الأستاذ / مختار السيد .
أصابعي غبية ، اعرف ذلك منذ أن حاولت إصلاح الكثير وأفسدته ، فما أن أضع يدي في شئ حتى يتحول إلى أجزاء لا يمكن إعادتها إلى صورتها الأولى ، ولذا عندما ضغطت على أزرار الخلاط وتصاعد الدخان ، فصلته من الكهرباء ، وحملته لإصلاحه دون أن أجرب فيه خيباتي السابقة
ولأني لا زلت غريبا في بلدتي ، مررت في الشوارع القريبة بحثا عمن يصلحه
وجدته ، دكانا صغيرا شبه فارغ ، لكني لم أتردد في الذهاب إليه ، كان على الباب يقف أربعيني راشد ، يفصله عن صاحب المحل صندوق زجاجي بعرض المحل يحوي بعض قطع الغيار ، ألقيت السلام ، استدار الراشد ناحيتي مرحبا بحرارة ومودة ، ثم بدأ يعرف صاحب المحل بي وكأن بيننا عشرة عمر ، فخجلت من ذاكرتي ، وردودي المقتضبة
نظر إلي الأخر من وراء صندوقه ، حاولت أن أزيل شعره الأبيض ونظارته ، عل الزمان يرتد وأتعرف على أي منهما دون جدوى
هز رأسه ، أعاد تركيز نظارته في مكواة اللحام ، ليصل سلك القصدير في الجهاز الذي في يده
بدأت اشرح له سبب العطل الذي أصاب الخلاط ، هز رأسه يمنة ويسرى ، وبهمس تصاعدت منه ترانيم لم أتبينها ، أصغت سمعي ، وصلني متقطعا لفظ ” متيما ”
شدتني الكلمة ، قربت رأسي منه على قدر ما أستطيع ، لامسني إيقاع شدوه الذي بدأ يعلو
” أقمت على عشقكم متيما
ومنكم الجوي يكويني
غصبت على القلب يفارقكم
هجرني وحيدا و ارتوى ونسيني ”
نقرت بأصابعي محاولا التوافق مع تراتيل صوته ، ترك ما في يده ، وتراجع لوسط محله ، وراح يتطوح على نقرة أصابعي ، شاركنا الراشد مصفقا بتوافق مع حركة الجسد الهائم ، عدت إلى الوراء حين بدأت الجدران تتباعد والسقف يعلو مفسحا براحا للجسد المحلق
صدى صوته ، ردده الشارع ، فتحلق المارة ، وانفتحت النوافذ ، ومن جانبي عبرت صبية رشته بماء الورد ، وهي تناديه :
– جدي … جدي ” كيف للظمآن أن يرتوي ”
خبطت رأسي بكلتا يدي ، وأنا اقفز صارخاً : تذكرتك ، تذكرتك
صغارا كنا ، والقلب المندفع يتقافز مختالا ما بين الزهور التي تتفتح ، تصادمنا في هواها ، وكلما صدت ، اندس بين الجلابيب الخضر التي كانت توقظ الليل طالبة التوحد والحلول ، حتى ضمر و شف
اندفعت إليه ، فاتحاً ذراعي ، تعانقنا ،حتى تسربت ملامحه بوجهي