لا شك أن دعاوى الغرب ومعلوماتهم المغلوطة عن العرب والشرق الأوسط باتت نستفزالكثيرين لتجاوزها أحيانا وانطلاقها من أجندات وتوجهات معينة أحيانا أخرى ولعل ومن منطلق مواجهة الرأى بالرأى الآخرودحض الادعاءات غير الصحيحة وتصحيح المعلومات عن مصر خاصة و العرب عامة كان لابد من رد منطقى يواجه الادعاءات بالحقائق والبراهين وهنا كان الرد لواحد من أبناء مصر الأوفياء رجل خبر جيدا ميدان التعليم لانه كان على رأس وزارته وحاملا لحقيبته أنه
الاستاذ الدكتور الهلالى الشربينى وزير التعليم السابق والاستاذ الاكاديمى الذى تصدى لآراء السفيرة البريطانية وقابل الرأى بالرأى والحجة بالحجة وكم كان رائعا حينما فند كل ادعاءاتها المزعومة وزادت درجة الروعة حينما نجح لحد بعيدفى إقناعه القارىء حينما عقد مقارنه بين مصر وبريطانيا على مستوى الوظائف القيادية ومدى تحقق الشروط العامة للوظائف فى كلا البلدين
وإليكم أحبتنا القراء رد أ – د الهلالى الشربينى على السفيرة البريطانية يقول
انتشرت تغريدة انتشار النار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة مضمونها أن السفيرة البريطانية جين ماريوت قالت فى تقرير لها عن التعليم فى العالم العربى أمام مجلس العموم البريطانى:
” إن هذا النظام يؤدى إلى مفارقات مدهشة فى الخريجين، فطلاب الدرجة الأولى من الأذكياء يذهبون إلى كليات الطب والهندسة، بينما خريجو الدرجة الثانية يذهبون إلى كليات إدارة الأعمال والاقتصاد وبذلك يصبحون مدراء لخريجى الدرجة الأولى، فى حين أن خريجى الدرجة الثالثة يتجهون للسياسة فيصبحون ساسة البلاد ويحكمون خريجى الدرجتين الأولى والثانية، أما الفاشلون فى دراستهم فيلتحقون بالجيش والشرطة فيتحكمون بالساسة والاقتصاد ويطيحون بهم من مواقعهم أو يقتلونهم إن أرادو، أما المدهش حقا فهو أن الذين لم يدخلوا المدارس من أساسه يصبحون أعضاء مجالس نيابية وعمدا وشيوخ قبائل ويأتمر الجميع بأمرهم”!!
وأقول ردا عليها :
” لقد وجهت هذه السيدة هذه الاتهامات المشينة لكل الدول العربية ولم تستثن منها أحدا، بما فى ذلك مصر التى تمثل مركز الثقل ورمانة الميزان فى العالم العربى، والواقع أن سرعة انتشار هذه التغريدة وتداولها بين الكثيرين فى المجتمعات العربية بفهم أو من غير فهم قد استفزنى ودفعنى إلى تفنيد ما ادعته تلك السيدة والرد عليه من حيث مدى انطباقه على الحالة المصرية، كما جعلنى أتساءل :
– هل صحيح أننا نُحكم بواسطة الجهلة والأغبياء؟!!!، وإذا كان ما تدعيه هذه السيدة صحيحا
– فهل العالم العربى هو الوحيد الذى ينفرد بهذه الخاصية دون غيره؟!!!
– وهل بريطانيا التى تنتمى إليها هذه السيدة مُنزهة عن مثل هذه الأفعال «المدهشة» على حد تعبيرها؟!!!
– أولا: من قال لكِ أيتها السيدة أن طلاب الدرجة الأولى من الأذكياء فى مصر لا يدخلون إلا كليات الطب والهندسة فقط!!!، ومن الذى أفتاكِ بأن الطلاب الذين يلتحقون بكليات الاقتصاد والعلوم السياسية وغيرها طلاب أقل ذكاء ومن الدرجة الثانية، وأنهم عندما يتخرجون يصبحون مدراء على خريجى الدرجة الأولى من الأطباء والمهندسين؟!!! هل رأيتِ مصنعا فى مصر يديره خريج من كلية الآداب أو مستشفى يديرها خريج من كلية التجارة؟!!! كلامك يتناقض مع المنطق ومع الواقع لأن مثل هذه المؤسسات تدار بواسطة قيادات من المتخصصين ولا بأس أن يتبعهم مدراء إداريون!!!
– ثانيا: – من قال لكِ أيضا أن خريجى الدرجة الثالثة يتجهون للسياسة فيصبحون ساسة البلاد ويحكمون خريجى الدرجتين الأولى والثانية؟!! ومن هم خريجو الدرجة الثالثة الذين تقصدينهم تحديدا؟!! أذكرى لنا مثالا واحدا منهم وكيف تحول إلى سياسى يحكم خريجى الدرجتين الأولى والثانية من الأطباء والمهندسين والاقتصاديين، والقانونيين، والمحاسبين وغيرهم فى النظام الحكومى المصرى
– ثالثا: من قال لكِ إن الفاشلين فى دراستهم هم الذين يلتحقون بالجيش والشرطة وبعد التخرج يتحكمون بالساسة والاقتصاديين ويطيحون بهم من مواقعهم أو يقتلونهم إن أرادوا؟!!! كلامك أقل ما يقال عنه إنه بعيد عن الأعراف الدبلوماسية وفيه تطاول وتدخل فى الشئون الداخلية لدول مستقلة وذات سيادة!!! هل تعلمين أن اختبار الثانوية العامة هو المعيار الوحيد للقبول بالجامعات المصرية، وأنه فى الغالب لا يقيس إلا القدرة على التحصيل، وأن الكليات العسكرية هى الوحيدة التى تطبق ــ إلى جانب هذا المعيار ــ عددا آخر من الاختبارات القاسية والمرهقة التى تقيس ذكاءات الطالب المتعددة وتحدد مدى كفاءته ولياقته للقبول والدراسة بتلك الكليات؟!!! وهل تعلمين أن العدد الذى يتقدم للالتحاق بهذه الكليات غالبا ما يكون عشرة أضعاف العدد المطلوب؟!!! وهل تعلمين أن كليات عسكرية كثيرة تفوق نظيرتها المدنية فى مجموع درجات القبول مثل الطب العسكرى والفنية العسكرية وغيرهما؟!! وهل تعلمين أن مصر كانت من أوائل دول العالم التى عرفت الحياة الدستورية، ويوجد بها دستور وقانون ولا يستطيع أحد أن يطيح بأحد أو يقتله كما تجرأتِ وادعيت ِ إلا فى حدود الدستور والقانون؟!!!
– رابعا: قلتِ «أما المدهش حقا فهو أن الذين لم يدخلوا المدارس من أساسه يصبحون أعضاء مجالس نيابية وعمدا وشيوخ قبائل ويأتمر الجميع بأمرهم»!!! ألم يخبرك أحد أن مصر دولة مركزية جذورها تمتد فى أعماق التاريخ وأن النظام القبلى فيها لا وجود له تقريبا إلا فى الأطراف وأن الولاء فى مصر هو للدولة فقط، كما أن الدولة المصرية لا تعين نوابا ولا عمدا ولا شيوخ قبائل من الجهلة لكى يأتمر أحد بأمرهم؟!!! الواقع أننى على يقين تام أن هذه السيدة وأمثالها يعلمون علم اليقين الإجابة عن كل التساؤلات التى طرحتها، ولكنها العقدة الاستعمارية المتأصلة لديها ولدى أمثالها من دول الاستعمار القديم، لذلك جاء ما تضمنه تقريرها فى إطار حروب الجيل الرابع والخامس التى تعتمد بالدرجة الأولى على زرع بذور الفتنة بين طوائف الشعوب المستهدفة، وتقليب الجميع فيها ضد الجميع، وتدمير ثقة الناس بمختلف طوائفهم وطبقاتهم فى أنفسهم وفى قياداتهم، وتعويدهم سواء كانوا من النخبة المثقفة أو حتى من العامة والدهماء على عدم الثقة فى النفس وجلد الذات وعدم الاعتزاز بالوطن أو الفخر بإنجازاته، أو التمسك بوحدته وسلامة أراضيه، والنظر إلى المستعمر القديم أو المتآمر الحديث على أنه نموذج فى كل شىء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
” وعليه فإننى أرى أن النهج الذى اتبعته هذه السيدة فى هذا التقرير هو نهج استعمارى غربى وإخوانى قديم حديث، كما أنه يمثل آلية من آليات العولمة الحالية التى تسعى للهيمنة والسيطرة على الدول الضعيفة وقولبتها بقالب صهيونى غربى أو على الأقل قالب إخوانى عميل ينفذ للاستعمار الجديد ما يسعى إليه بأقل قدر من التكلفة المادية والبشرية مقابل تمكين أتباعه من سدة الحكم، ونحن لا يخفى علينا ولا على أحد أن الدول الغربية هى الحاضن الأول