بقلم : على الصاوى
كان هناك رجل يعيش فى إحدى القرى فى أطراف أسيا وكان مشهور برواية القصص والأحاديث والإدعاء بأنه يفقه كل شيئ فإذا وقفت أمامك مسأله دينيه مهما بلغت صعوبتها فما عليك إلا أن تذهب إليه كى يقوم بحلها بكل سهوله ،حتى كثر مريديه من الجهله الذين لا يقرأون ولا يعلمون من أمور الدين سوى ما يقوله لهم هذا المدعى فكانوا يصدقونه فى كل شيئ دون نقاش أو جدل حتى توهم وركبه الغرور فأصابه دوار الكبرياء وظن أنه أحاط بكل شيئ علما، وهو فى الأصل خريج مدرسه الجهل والجرأة على الله ورسوله دون علم أو فهم أو بينه .
بدء يتدرج ويصعد بجهله على سلم العلم والمعرفه كى يناطح العلماء ويبارزهم بحججه الواهية الباطلة التى ينقلها من كتب الأساطير التى تناسب هواه ومعتقدة وتأتى على مزاج جماهيرة دون تأصيل حقيقى يستند لكتاب الله أو سنه رسوله، وفى هذا الإفك والزحام الممرض من الجهل الذى أوشك أن يغرق الجميع فى بحور الكذب والبهتان إجتمع بعض الشباب ممن فى قلوبهم حميه وغيرة على هذا الدين ولم يستسلموا أمام هذا الموج الجارف الذى كاد أن يعصف بهم جميعا، وقالوا لابد أن نوقف هذا الرجل عما يفعله فى عقول الناس فهو يسعى لهدم أصول الدين واللعب بتراثه ، حتى فكر أحدهم فى تأليف كلمه ليست لها وجود وعلى أن يذهبوا إليه جميعاً يسألوة عنها أمام جماهيرة حتى يتبين جهله وكذبه وكانت الكلمه هى “الخنفشار “
ذهب إليه الشباب ودخلوا عليه وقاطعوا مجلسه وسألوة عن معنى هذة الكلمه فما لبث إلا أن قال لهم نعم الخنفشار هذا نبات طيب الرائحه ينبت فى أطراف اليمن أصفر اللون اذا أكلته الإبل عقد لبنها وكما قال الشاعر “لقد عقدت محبتكم فؤادى ..كما عقد الحليب الخنفشار “وقال الطبراني فى الخنفشار كذا “وقال البخارى فى الخنفشار كذا “وقال رسول الله حتى قام أحدهم مسرعا وقال له أسكت أيها الجاهل الجراء العياب فلقد كذبت علينا جميعاً فلا تكذب على رسول الله فإنه القائل” من كذب على متعمداً فليتبوأ معقدة من النار ” وكشف هؤلاء الشباب جهله الفاضح وافتراؤة على كبار العلماء من الشيوخ والأئمة، وما أكثرهم فى هذا الزمان فأنا لا أرى عصر كثرت فيه الرؤوس الجاهلة والعقول الفارغة والافواه الثرثارة وأطلت علينا بعفنها الفكرى وزيغها القلبى مثل هذا العصر
خرج علينا بعض من ينسبون أنفسهم للعلم وتجديد الفكر والخطاب الدينى بحداثه تواكب التغير الذى حدث فى هذا الزمان بالهجوم على علمائنا الأجلاء الذين أفنوا أعمارهم لخدمه هذا الدين بالكذب عليهم بهتانا وزورا أنهم كذبوا على الله ورسوله فى كتبهم وأن ما خرج من الآمه من جماعات متشددة منحرفه الفكر والسلوك كان نتاج هذة الكتب التى تدعوا إلى العنف والتكفير على حد قولهم وهم بين هذا وذاك يريدون أن يهدموا تاريخ وتراث هم بين أوله وأخرة كالقشه التى تريد أن تخلع جبل من مكانه .
وفى هذا الصدد أردت أن أبين بعض الأمور التى يغفل عنها كثير من الناس تجاه هذة الكتب ومؤلفيها وكيف كانوا يدققون فى كل كلمه ينقلوها عن غيرهم هناك قاعدة فى علم الحديث تقول ” من أحال فقد برء ” أى من نسب قوله لغيرة فقد برء من اى خطأ فيه لأنه ناقل وليس هو من قال هذا الكلام وقد يحتمل الخبر الصواب أو الخطأ لكن هذة النقطه لم تفوتهم فليس هناك أمام من هؤلاء الأئمة إلا وقد أخبر عن كل راوى حديث وبين مكانته وعدالته بين علماء الحديث هل هو كذاب أم ضعيف أم متروك، ودونوا هذا فى كتبهم بشكل يجعل القارئ قادر على أن يفرق بين الحق والباطل لذلك قال الإمام الطبرى فى مقدمه كتاب جامع البيان فى تفسير القرآن ” لو أن إنسان رأى كلام مستشنعا أو مستكرها فليعلم أنه ليس من قبلنا ولا نحمل عهدته إنما عهدته على من قاله ” وهذا ما يفعله هؤلاء الذين يتصيدون فى الماء العكر كى يثيروا الشبهات حول هذا الدين فيأخذوا هذا الكلام بظاهرة دون تمحيص وينسبوة مباشرة لصاحب الكتاب كى يطعنوا فى أمانته وعلمه دون فهم دقيق أو وعى عميق للمسأله، فيتعامل معها كمن تعامل مع قول الله “ولا تقربوا الصلاه” دون أن يكمل الآيات ليكمل المعنى ويوضحه ..
العجزة والفاشلون هم الذين يلجأون إلى الهدم والتدمير والسباب والشتائم والدعاوى الإيمانية اما الأقوياء الواثقين فى أنفسهم هم من يأتون بالحجج الصحيحه كى يناقشوا ويناظروا بها الآخرين فى طرح بناء يساهم فى فك اللغط والجدل الدائر حول مسألة معينه بهدف التنوع والإثراء، وهذا ما يتسم به المجددون الحقيقيون للإسلام ، بخلاف هؤلاء المدفعون من خصومه كى يهدموا أركانه وينتقصوا من قاماته العلميه ويشككوا في أصوله ، هم يريدون التشكيك فيه ولا يريدون خدمته فاحذروا أصحاب الرأى فهم أعداء السنه أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا .
إن الحق واحد والباطل أبوابه متعددة وعلى الدعاة أن يختاروا لدعواتهم القوالب العصريه الجديدة وتغيير لغه الخطاب الدينى مع البعد عن الكلمات المكررة القديمة والتقليدية ،وأن يستخدموا العبارات البسيطه المختصرة والنظرة العلمية الموضوعية التى تقنع العقل وتناسب واقع الحياه ،وأن لا يقتصروا على منبر المسجد فقط فقد تعددت المنابر الإعلاميه وأصبح التليفزيون هو أخطر هذة المنابر تأثيرا فلماذا نتركه لأعداء الدين من الجهله والمتعالمين يروجون فيه للإلحاد والإنحلال ونحبس أنفسنا داخل المسجد ؟؟
إن أسلوب خطبه الجمعه التقليدى لم يعد يجدى نفعا فى عصر تيسرت فيه السبل والأدوات التى تساهم فى سرعه الوصول إلى القلوب والعقول فلابد أن يزود الدعاه بعلوم ومعارف ودهاء تجعلهم قادرين على أن يسبحوا فى بحر الحداثة والتغيير الذى طرأ على هذا العصر الذى أصبح بأسنان ذريه وعقول إليكترونيه ، فياقوم أليس منكم رجل رشيد .