لعلها الذكريات التي تحتل قمم الجبال ، لتخبر المارين من هنا بأن الروح تنتصر في لحظات عابرة كغيمة صيفية ، لعل أول الصفحات تبقى للذاكرة كما المداد الأول في هذي الحياة اللانهائية الأحلام ، لتبقى أجسادنا شبه عذراء في بحر لجي يعرف معنى الحب ، معنى الصراخ الآتي من رحم الولادة الكبرى ، إنها ثورة الجسد والروح في ملعب لا حدود له ، ألم أخبرك ذات يوم بأن رايات النصر تكتب في السماء ، وأن القلب يزور ضريح الياسمين قبل أن يغادر سقما .
إنها الذكريات التي ترتكب مجزرتها بثمالة ، لم تعد تنظر إلى ماوراء الغيم ، أو ما تحت الماء ، تغني كيفما تشاء ، ليلا أو نهارا ، تستعمل كل آلات الموسيقى ، تلك الحزينة منذ ولادتها ، فهي الأخرى أصبحت تمتطي عصاها ، أتراها أمست تحب اللون الأحمر .
إنها الذكريات ، ويالها من آثام ارتكبتها ومازالت ، مئات الملايين رحلوا عنوة ، وربما أكثر ، كانت تصطك أسنانها ليس من شدة البرد ، وإنما تسخر من غباء البشر ، فهم من يكتبها بالدماء ، وهم من يحملون كل صناديق الخيانة السوداء .
إنها الذكريات ، وأنا ، وأنتم ، هنا في مكان ما ، فتحت نافذة للربيع ، أشعلت آخر سجائري ، فنجان قهوتي غادر لتوه المكان ، هو أيضا أصيب بداء الكآبة العظمى ، فكان جوفي يابسا جدا مع الدخان الآتي إليه من لفافة لا تعرف الغدر …
سألت نفسي ( لما كل هذي الذكريات السوداء ، لم كتبناها على هذه الشاكلة ، هل نحن أغبياء لدرجة الجنون الأكبر ) …
من سوف يجيب الآن ، وحدها الذكريات كانت هنا تقهقه فاغرة عن أنيابها : ( يالكم من أغبياء ) …
________
٢٦ رمضان / ١٤٤٠