كتب / أسامة الألفي
عندما أسس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المصانع الحربية في أوائل الستينيات، حرص على ألا يقتصر نشاطها على الانتاج الحربي، وإنما يمتد أيضًا ليشمل الصناعات المدنية، من أجل خلق قاعدة صناعية وطنية تعمل على النهوض بالوطن، وتكون نواة مصانع وطنية تلبي احتياجات المواطن المصري، من مختلف الأجهزة التي يحتاجها منزله، وتغني عن استيراد مثيلاتها، وفي الوقت نفسه توفر العملة الصعبة للبلاد، عبر تصدير فائض الانتاج، فالهدف كان تحقيق التنمية بمعناها الشامل، وليس مجرد ديكور.
من هنا كان حرصه أن تتوافر لهذه المصانع كافة مقومات النجاح، من خبرات وامكانيات، وبالفعل تمكن من ايجاد صناعة عملاقة كسبت السوق المصرية والعربية بجودة انتاجها، وحققت مكانة وسمعة عالمية، أشاد بها العدو قبل الصديق، وكان مجرد وضع شعار المصانع الحربية على منتج كافيًا لأن يبادر المواطن إلى شرائه للسمعة الطيبة التي اقترنت بهذه المنتجات، حتى أن طوابير انتظار الدور في الحصول على أحد منتجات المصانع الحربية من سخانات وبوتاجازات وثلاجات وغيرها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت تمتد لعام أو عامين.
وكان مصنع 360 الحربي الذي تحول اسمه إلى شركة حلوان للأجهزة المعدنية، واحدًا من هذه المصانع العملاقة التي لم تكتسب ثقة المواطن المصري فحسب، وإنما أمتدت لتشمل المواطن العربي بانتاجها المتميز من الأجهزة المنزلية، التي تعمل بالغاز أو الكهرباء، ثم رحل عبد الناصر، وانشغل الرئيس السادات بالاستعداد للحرب عن متابعة هذه المصانع، ولم يمهله الأجل بعد تحقيقه نصر أكتوبر، وأغتيل يوم احتفاله بهذا النصر، وآل الأمر إلى مبارك، الذي ولى اهتمامه لصناعات أصدقائه وحوارييه من رجال الأعمال، وأهمل شأن المصانع الأم ممثلة في المصانع الحربية التابعة لوزارة الانتاج الحربي، وقامت ثورة 25 يناير بما رافقها من تغييرات سلبية في شتى المرافق، لتصيب هذه المصانع في الصميم، وتتحول من رمز للجودة إلى صناعات هشة بضمان أكثر هشاشة لا يعمل به.
أقول ذلك إنطلاقًا من تجربة مؤلمة عشتها على مدار أكثر من أسبوعين، إذ كان لدي في منزلي سخان أمريكي أصلي من طراز”جونكر”، عمل بكفاءة ودون أعطال على مدار 40 عامًا من الخدمة المتصلة، ثم حل به الوهن فنصح الفني الذي استدعيته بأن استبدل به سخانًا من الماركة نفسها تصنعه شركة حلوان للأجهزة المعدنية “مصنع 360 سابقا”، وبالفعل أشتريت واحدًا من منفذ توزيع الشركة في روكسي بمصر الجديدة عام 2013م ومعه شهادة ضمان لمدة 5 سنوات، إلا أن السخان تداعى حين بلغ عامه الرابع، فاتصلت بالخط الساخن للشركة في 22 / 5 / 2017م وسجلت الشكوى رقم 8497 كما توجهت لفرع الشركة بروكسي لأفاجأ بالمسئول يسألني سؤالاً غريبًا: هل أشتريت السخان من شارع عبد العزيز؟ فأجبته بالنفي وأن لدي فاتورة من منفذ البيع بروكسي، وفهمت من سياق الكلام أن سخانات مضروبة تابعة للشركة تباع بشارع عبد العزيز، وبعد هات وخذ مع الشركة دام أكثر من أسبوعين، فوجئت برفض الشركة الإصلاح رغم وجود شهادة الضمان وفتورة الشراء، ومطالبتها إياي بسداد 850 جنيها تكلفة الإصلاح وإلا فلن يتم إصلاحه.
والحكاية أهديها للواء محمد العصار وزير الانتاج الحربي، فالمشكلة ليست مشكلتي وحدي، ولكنها مشكلة عدم وفاء الشركة بشروط الضمان، ولو كان السخان يتبع القطاع الخاص لأصلحوه دون نقاش، لكنه في عرف المسئولين عن الشركة يمثل اعترافا بقصور صناعتهم وهو ما لا يقبلون الاعتراف به، رافعين شعار”فليشتك المواطن لطوب الأرض فلن يحصل على شيء”.