من ذكريات ملف الشخصيات العسكرية
انه المشير محمد عبد الغني الجمسي وزير الحربية و القائد العام للقوات المسلحة المصرية بين عامي (١٩٧٤ – ١٩٧٨) وقد تم تصنيفه كأحد أفضل ٥٠ قائداً عسكرياً في القرن العشرين .
ومن أقوال المشير عبد الغني الجمسي الشهيرة : “إن الرجل العسكري لا يصلح للعمل السياسي، وإن سبب هزيمتنا عام ١٩٦٧ كان بسبب انشغال رجال الجيش بالألاعيب في ميدان السياسة ؛ فلم يجدوا ما يقدمونه في ميدان المعركة” وعندما سُئل المشير الجمسي عن القرار الذي ندم عليه في حياته أجاب باكيًا : “اشتراكي في التفاوض مع اليهود” وهو الأمر الذي كان يرفضه بشده إلى أن جاء الأمر من القيادة العليا بالجلوس على مائدة المفاوضات .
قالت عنه جولدا مائير : “إنه الجنرال النحيف المخيف ” .. كما قال عنه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق : “إن العسكريين الإسرائيلين يقدرون تماما كفاءة الجمسي و اعترفت اسرائيل بأنها تخشاه أكثر ما تخشي القادة الآخرين” .
و عن دوره في حرب العاشر من رمضان ، فقد كان الجمسي رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة و التي قامت في بداية عام ١٩٧٣ برئاسته بإعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، حتى توضع أمام الرئيس المصري السادات والرئيس السوري حافظ الأسد لاختيار التوقيت المناسب للطرفين، و قد اعد الجمسي تلك الدراسة في كشكول ابنته بخط يده و سميت تلك دراسة ب “كشكول الجمسي” و قام بتسليمها للمشير أحمد إسماعيل بيده ضماناً للسرية .
كانت الخطة تتضمن دراسة جميع الظروف و تحديد الوقت و لم يتجاهل شيئا : المد والجذر لقناة السويس ، وضع الشمس في مواجهة جنودنا ومواجهة جنود العدو ، فتحات النابالم وسبل سدها ، وضع القوات البحرية وإغلاق المضايق ، حالة البحرين الأبيض والأحمر، أفضل توقيت يناسب الجبهة المصرية والسورية في نفس الوقت للهجوم بحيث يتحقق أفضل استخدام للقوات المصرية والسورية بالعملية الهجومية بنجاح ويحقق أسوأ الظروف لإسرائيل وتحديد مواعيد الأعياد والعطلات الرسمية في إسرائيل وتأثيرها على إجراءات التعبئة في إسرائيل ، و هكذا لم يترك شيئا للظروف . وقد أشاد الرئيس السادات بتلك الدراسة مبديا اعجابه و انبهاره بها، كما ذكر المشير الجمسي في كتابه ”مذكرات حرب أكتوبر” ، وتم اعتمادها في اختيار الوقت المناسب لانطلاق شرارة الحرب، وبالفعل كان الميعاد موفقاً للغاية وتم النصر للجيش المصري على الكيان الصهيوني . وفي صباح السادس من أكتوبر وقف الجمسي بغرفة عمليات القوات المسلحة محدقا في الساعة حتى جاءت الثانية مساء موعد العبور فصاح البطل ”بدر.. بدر. بدر” و هو اسم الخطة العسكرية لحرب أكتوبر المجيدة والتي شارك في وضعها مع قيادات القوات المسلحة ، و يبدأ الهجوم العسكري و تنطلق القوات الجوية في سماء سيناء و كان النصر المبين . و قد عاش الجمسي أثناء الحرب لحظات عصيبة الى ان تحقق النصر و كان أصعب تلك اللحظات ، ما عُرف بثغرة الدفرسوار التي نجح الصهاينة في اقتحامها، وأدت إلى خلاف بين الرئيس أنور السادات و رئيس أركانه وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي الذي تمت إقالته على إثرها، ليتولى الجمسي رئاسة الأركان، فأعد على الفور خطة لمحاصرة وتدمير الثغرة وأسماها ” شـامل” إلا أنها لم تنفذ نتيجة صدور وقف إطلاق النار .
و قد اختار الرئيس السادات الجمسي ليكون رئيسا للوفد المصري للتفاوض حول فض الاشتباك يناير ١٩٧٤ فيما عرف بمفاوضات الكيلو ١٠١، وكان من أشرس القادة الذين جلسوا مع الإسرائيليين على مائدة المفاوضات ، فرفض تقديم أي تنازلات للجانب الإسرائيلي . قال عنه عيزرا وايزمان، أحد مفاوضي الجانب الإسرائيلي في مفاوضات الكيلو ١٠١ ، أن الجمسي كان يرفض مصافحتهم أو إلقاء التحية عليهم ، و أنه في إحدى المرات بعد خروج الجمسي من خيمة المفاوضات أسرع وايزمان خلفه وتحدث إليه قائلاً : ”سيادة الجنرال بحثنا لك عن صورة وأنت تضحك فلم نجد ، ألا تضحك؟! ” وكان رد الجمسي عليه نظرة ازدراء .
و قد عين المشير الجمسي وزيراً للحربية خلفاً للمشير احمد اسماعيل بعد وفاته عام ١٩٧٤ وشغل هذا المنصب الى عام ١٩٧٨ وبعدها عين مستشاراً عسكرياً لرئيس الجمهورية، وتقاعد بناء على طلبه ١٩٨٠، الى ان لاقى ربه في ٧ يونيو ٢٠٠٣ عن عمر يناهز ٨٢ عاما تاركا تاريخا عظيما في ذاكرة الوطن ومحبة كبيرة فى قلوب المصريين .. و كانت كلماته الأخيرة :” انتصار أكتوبر هو أهم وسام على صدري ، وليتني أحيا لأقاتل في المعركة القادمة “