إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد القِسْط)
يذكر الشيخ الأكبر قدس الله سره في قول الحق – تعالى – : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران: 18] وهو موضع التوحيد الخامس وهو توحيد الشهادة بالقيام بالقسط، وهو من توحيد الهوية والشهادة على الاسم المقسط، وهو العدل في العالم بإعطاء كل شيء خلقه، فوصف نفسه بإقامة الوزن في التوحيد، أعني توحيد الشهادة بالقيام بالقسط، وجعل ذلك للهوية، وكان الله الشاهد على ذلك من حيث أسماؤه كلها، فإنه عطف بالكثرة وهو قوله – تعالى – : ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 18] فعلمنا حيث ذكر الله، ولم يعين اسما خاصاً أنه أراد جميع الأسماء الإلهية التي يطلبها العالم بالقسط، إذ لا يزن على نفسه، فلم يدخل تحت هذا إلا ما يدخل في الوزن، فهذا توحيد القسط في إعطاء الحق في هذه الشهادة.
فمن أعطى الحق من نفسه لربه ولغيره، ولنفسه من نفسه بإقامة الوزن على نفسه في ذلك، فلم يترك لنفسه ولا لغيره عليه حقا جملة واحدة، قام في هذا المقام بالقسط الذي شهد به لربه، فإنها شهادة أداء الحقوق ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283] وما كان له من حق تعين له عند غيره أسقطه ولم يطالب به، إذ كان له ذلك ﴿فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: 100] ثم يؤيد ما ذكرناه في إعطاء الحق في هذه الشهادة قوله بعد قوله: ﴿ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18] فشهد الله لنفسه بتوحيده، وشهد لملائكته، وأولي العلم أنهم شهدوا له بالتوحيد، فهذا من قيامه بالقسط، وهو من باب فضل من أتى بالشهادة قبل أن يسألها، فإن الله شهد لعباده أنهم شهدوا بتوحيده من قبل أن يسأل منه عباده ذلك، وبين في هذه الآية أن الشهادة لا تكون إلا عن علم لا عن غلبة ظن، ولا تقليد إلا تقليد معصوم فيما يدعيه، فتشهد له بأنك على علم كما نشهد نحن على الأمم أن أنبياءها بلغتها دعوة الحق، ونحن ما كنا في زمان التبليغ، ولكنا صدقنا الحق فيما أخبرنا به في كتابه عن نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الايكة، وقوم موسى، وشهادة خزيمة، وذلك لا يكون إلا لمن هو في إيمانه على علم بمن آمن به، لا على تقليد وحسن ظن.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.