متابعة علاء ثابت مسلم
صديقي ـ كده وكده ـ أنت مش كده , أنت كده ………!!!
لم أنس هذا المشهد الرائع الذي صوّره الأخوين لوميير للسينما العالمية عام 1895 , هذا المشهد يرصد قطاراً سريعاً يتجه صوب المشاهدين وكأنه سوف يدهمهم جميعاً تحت عجلاته , كنت في الرابعة أو الخامسة من عُمري حينما ذهبت للمرة الأولى في حياتي إلى دار الخيالة أي السينما بلغة العصر بصحبة أمي , كانت سينما بلا سقف , صيفي , علينا أن ننتظرَ قدوم دولة الليل , لتضئ شاشة العرض عبر خيوط من نور تنفذ من ثقب في مؤخرة الصالة . ثقافة جديدة تعرضت لها دون تمهيد , عالم ساحر يتحرك ويتكلم ويحب ويكره ويولد ويموت على تلك الشاشة الصماء البيضاء . كنت أحدق ببصري وفمي وأذني وأحيانا بكل جسمي , لما أشاهده وأسمعه في صندوق العجايب . وفجأة ظهر القطار القادم بسرعة مذهلة نحو المشاهدين , أدركتُ في الحين أننا من الهالكين تحت عجلات القطار , وصرختُ ربما يسمعني سائق القطار , وسارعت إلى حضن أمي التي حاولت أن تهدأ من روعي قائلة : لا تخف من القطار لقد مرّ دون أن يصيبنا , هكذا السينما مشاهد
(( كده وكده )) أي غير حقيقية . ومرة أخرى ذهبت إلى صندوق العجايب , أقصد السينما بعد مدة طويلة , وبالطبع مع أسرتي , وهبط الليل , وتسللت تلك الاضواء من هذا الثقب الذي تسكن خلفه الأرواح والعفاريت , هكذا قادني تفكيري بعبقرية لمحاولة فهم طبيعة سكان أهل الثقب وبدون سابق إنذار شاهدت بطل الرواية يغرق في الماء , شقت صرخاتي سكون العرض , و دعوت الناس لإنقاذ الرجل من الغرق , ضحك الحضور على إستغاثتي اليائسة البائسة , بينما قالت لي أمي بنبرة حب وحنان : لم يغرق الرجل هكذا السينما (( كده وكده )) ومن يومها تعلمت أن كل شئ غير حقيقي ولا واقعي (( كده وكده )) لم أصدق وجود شخصية السيد (( كده وكده )) إلا بعد المرور خلف شاشة العرض التي لم أجد خلفها أي شئ. لقد عاش معي صديقي (( كده وكده )) في مرحلة الطفولة حينما كنت ألهو مع أقراني الأطفال في تمثلية كل واحد منا يمثل دوراً (( كده وكده )) كنت أحاول أن أحصل على أفضل الأدوار ولكن في النهاية أقبل أقلها بعد التأثير عليّ هذه تمثلية …(( كده وكده )) هكذا كان قريني السيد (( كده وكده )) لصيقاً بي في كل نفس من أنفاس حياتي , حتى ظننت انه من الجن لن أتخلص منه أبداً . ومع تقدم العمر , اكتشفت أن لكلا منا قرين مثل خيال الظل لنا (( كده وكده )) تجده حاضراً معك في كل حدب وصوب , في تصريحات السادة المسئولين معظمها (( كده وكده )) وفي إقرارات الذمة المالية لبعض الوزراء الغير صحيحة لا تخلو من (( كده وكده )) حتى في المستشفيات تجد السيد (( كده وكده )) يطل عليك من أنبوبة محلول أو جهاز أشعة لا يعمل , زينة وجوده (( كده وكده )) أفضل من مكان فارغ , حتى معامل التحاليل (( كده وكده )) والبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق كان (( كده وكده )) وتقسيم السودان سودان شمالي وجنوبي طبعاً بفضل السيد (( كده وكده )) والنظام العالمي الجديد وتقسيم العالم طبعاً بخطة العم (( كده وكده )) والسياسة العالمية لها ألوان (( كده وكده )) وتتوالى الأيام , وتتعدد مأثر السيد (( كده وكده )) ولاسيما في زيارات المسئولين لأي موقع , سرعان ما تهبط النظافة من السماء , وتنبت الاشجار , وتتفتح الزهور , وترفرف الأعلام , وترتفع الدعوات لإطالة عمر السيد المسئول , ماهي إلا لحظات وينفض المولد , وبقدرة قادر كل شئ يعود كما كان , ويضحك علينا بخبث السيد (( كده وكده )) قائلاً أنا قلت لكم : المسرحية كانت (( كده وكده )) . هكذا كنت ألتقي بالفتوة صاحب القوة والعضلات التي تجر العربات والسيارات بخصلة من الشعرات , الغضنفر الليث السبع السيد (( كده وكده )) في كل زمان ومكان , في الزراعة بعض المحاصيل مسرطنة (( كده وكده )) خلي العيال تأكل , وفي الصناعة مصنوعات (( كده وكده )) على قد فلوسك , في السكة الحديد هناك أيضاً قطارات (( كده وكده )) بدون صيانة , وأيضاً في مجال النقل الجوي طائرات (( كده وكده )) بلا صنوق أسود ولا أبيض ….طائرات ورق (( كده وكده )) وفي مزلقانات السكة الحديدة برضه (( كده وكده )) أما المراكب النيلية فلا تخلو من (( كده وكده )) وحتى في مجال الدعوة لله ياعالم يا هو هناك شيوخ الفضائيات برضه بفتاوي ما أنزل الله بها من سلطان فتاوي (( كده وكده )) أما في مجال التعليم رايت السيد (( كده وكده )) بيبرطع في المناهج الدراسية ومدرجات الجامعة قائلاً هناك تعليم (( كده )) وهناك تعليم (( كده وكده )). حتى في مجال الفنون والأداب لقد تراجعنا إلى الوراء ولاسيما في السنوات الأخيرة , وبالرغم من تعدد المنابر الإعلامية أصبحت البرامج متشابهة خالية من الإبداع , خاصة برامج التوك شو , معظمها (( كده وكده )) والقليل منها (( كده ))
لم يكن السيد (( كده وكده )) شخصية محلية أو عربية ولكن وصل إلى العالمية . لذلك فكرّت أن أصمم له دمية أشبه بالحسناء العالمية عروسة (( باربي )) أطلق عليها دمية (( كده وكده )) شخصية نغزو بها العالم , تنافس شخصية ميكي ماوس في الرسوم المتحركة , وبالمرة أجدع من شخصية السندباد وبكّار . لقد ألتقت بسيادته في المحافل الدولية , في مجلس الأمن , ابن حلال مصفي في الفيتو , دائماً يعترض , وفي الأمم المتحدة , وفي إجتماع الدول السبعة الغنية , وفي دول الإتحاد الأوروبي , حتى في الصليب الأحمر , وبالطبع لم تسلم الفيفا من قبضته ….!!
على أبواب المستشفيات يستقبلك السيد (( كده وكده )) عاوز تتعالج ولا تدخل المستشفى (( كده وكده )) عندنا علاج قسم مجاني
(( كده وكده )) وعند قسم فاخر العلاج فيه (( كده ))
يبدو أننا تعودنا على وجود الصديق (( كده وكده )) في حياتنا
لا نستطيع فراق السيد (( كده وكده ))
لابد من القضاء على المدعو (( كده وكده )) في كل مؤسستنا الحكومية , في كل حياتنا , في كل وعودنا , في كل أفكارنا .
لقد بلغ تعداد سكان العالم حوالي سبعة مليارات من البشر , وبالتالي على الأرض عدد لا بأس به من السيد (( كده وكده )) هؤلاء هم الذين يحكمون العالم برضه (( كده وكده )) نحن نعيش في حرب مع جيش المدعو (( كده وكده )) الذي صدّر لنا كل سلبيات العصر من خوف ومرض وجهل وإرهاب وتخلف. والسؤال العبقري المطروح كيف نقضي على خيال الظل السيد (( كده وكده )) حتى تصبح حياتنا فقط
(( كده )) بدون (( كده وكده )) لقد أطلت عليكم ب (( كده وكده )) مش كده …؟