بقلم المهندس/ طارق بدراوى ** مسجد سليمان باشا الخادم **
مسجد سليمان باشا الخادم ويعرف ايضا بإسم مسجد سارية الجبل تم إنشاؤه عام 1528م ويقع داخل أسوار قلعة صلاح الدين الأيوبي أو قلعة الجبل في أعلى جبل المقطم وقد أنشأه سليمان باشا الخادم أحد الولاة العثمانيين على مصر وتكمن أهمية هذا المسجد في أنه يعتبر أول المساجد التي أنشئت في مصر على الطراز العثماني وقد بني هذا المسجد على أنقاض مسجد قديم لأبي منصور قسطة والي الإسكندرية في العصر الفاطمي عام 535 هجرية الموافق عام 1141م وذلك قبل بناء القلعة نفسها بنحو ثلاثين عاما وأبو منصور القسطة هو أحد غلمان بدر الجمالي أمير جيوش الخليفة الفاطمي الثامن والإمام الثامن عشر لطائفة الشيعة الإسماعيلية المستنصر بالله والذى كان له شأن كبير وتحكم في مصر تحكم الخلفاء والملوك وأصبحت له سلطات تقارب سلطات الخليفة الفاطمي نفسه خاصة وأن الخليفة المستنصر بالله قد كلفه بالعديد من المهام الكبيرة والتي أنجزها كلها بنجاح كبير ومشهود غير أن قدر هذا الغلام أبو منصور القسطة قد تغير ليصبح أميرا بعد إسلامهبعد أن قرر سيده بدر الجمالي أن يعتقه وأن يتقلب في وظائف الدولة الفاطمية ويصبح أخيرا واليا على الإسكندرية وعلي الرغم من قراءاته الواسعة في أخبار التاريخ إلا أنها لم تعصمه من مكيدة تراثية مستهلكة وهي أكل الهريسة المسممة ليخر صريعا من فوره لكنه قبل هذه النهاية المأساوية كان قد وضع أساس وأنجز مسجد سارية الجبل والذى إستمد إسمه من نداء الخليفة عمر بن الخطاب وهو يخطب في الناس بالمسجد النبوى بالمدينة المنورة ياسارية الجبل في حادثة عجيبة من حوادث التخاطر ما بينه وبين الصحابي سارية بن زنيم الذى كان يقود جيش المسلمين في أحد معارك الدولة الإسلامية حيث نبهه الخليفة على بعد من على منبره في المسجد النبوي بأن يحتمي بالجبل وأن يجعله في ظهر جيش المسلمين وما أن سمع سارية النداء إلا وقد أسرع ينفذ ماقاله أمير المؤمنين لينجو هو والجيش من خطر محقق كاد أن يتعرض له الجيش وأن يتم حصاره وكان هذا هو الإسم الأول للمسجد .
وحدث بعد ذلك أن نسب إسم المسجد لبعض الأشخاص الآخرين ولكن بقي إسم مسجد سارية الجبل هو الإسم الأكثر شيوعا وشعبية بين السكان المحيطين والذين يسمون أيضا المنطقة الشعبية المحيطة بالمسجد بقلعة الجبل وكان الإسم الثاني للمسجد هو مسجد الدريني وينسب إلى الشيخ الفقيه أبو الحسن علي مرزوق الدريني والذي نقل مجلسه العلمي إليه ودفن بضريح فيه ثم كان آخر إسم تسمي به المسجد والذى يعرف به حتي اليوم هو مسجد سليمان باشا الخادم وهو الوالي العثماني الذي جدده واعاد بناءه ووجدها فرصة سانحة لنسبته إليه ومن الأحداث الهامة التي حدثت داخل أروقة مسجد سارية الجبل هي الصلح الذى تم ما بين السلطان برقوق والخليفة العباسي إثر أزمة كادت أن تودي بمستقبل برقوق السلطاني وتعصف به .
وتعد تجديدات سليمان باشا الخادم بهذا المسجد هي الأبقى حيث لازالت الزخارف المعمارية على الطرز العثمانية موجودة به وباقية حتي اليوم على صفحة المسجد المبني في الحقبة الفاطمية والذي ظل فترة لا بأس بها موطن إهتمام ورعاية الحكام والسلاطين ومسرح لحل معضلاتهم المعقدة فضلا عن كونه مقصد للتبرك بأضرحة من دفنوا تحت ثراه مثل الشيخ الدريني والشيخ محمد الكعكي وبانيه أبو منصور القسطة فضلا عن الضريح المنسوب للصحابي سارية بن زنيم ويتكون المسجد من قسمين قسم مغطى بقبة في الوسط تحيط بها أنصاف قباب مزينة بنقوش ملونة تتخللها كتابات متنوعة ويكسو جدرانه من أسفل وزرة من الرخام تنتهي بشريط من الخط الكوفي المزهر لآيات قرآنية ويتوسط جداره الشرقي محراب ومنبر من الرخام الأبيض المحلى بزخارف محفورة فيه وبالجدار الغربي باب يؤدي إلى القسم الثاني والقسم الثاني عبارة عن صحن أوسط مكشوف فرشت أرضيته بالرخام الملون ويحيط به أربعة أروقة تغطيها قباب محمولة على عقود ترتكز على أكتاف وبالجهة الغربية من الصحن قبة صغيرة بها عدة قبور عليها تراكيب رخامية ذات شواهد تنتهي بنماذج مختلفة لأغطية الرأس التي كانت منتشرة في ذلك العصر هذا وقد كانت قباب المسجد جميعها مكسوة بالقيشانى الأخضر وللمسجد منارة أسطوانية ذات تضليع ولها دورتان كل منهما تبرز عن البدن بواسطة مقرنصات متعددة الحطات وتنتهى من أعلى بمخروط تغطيه ألواح من القيشانى الأخضر وهذا الطراز من المآذن العثمانية ساد إستعماله في أغلب المساجد التي أنشئت في العصر العثمانى .