بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** بيت الهراوى **
بيت الهراوي هو أحد البيوت الأثرية القديمة بمدينة القاهرة ويقع ضمن مجموعة فريدة من المنازل الإسلامية حيث يجاوره منزل الست وسيلة خاتون ويطل على منزل زينب خاتون بشارع محمد عبده بالأزهر وقد أنشئ على يد أحمد بن يوسف الصيرفي سنة 1731م وينسب هذا المنزل إلى الطبيب عبد الرحمن باشا الهراوي وهو آخر من آلت إليه ملكية هذا المنزل سنة 1881م وحتي عام 1921م ويستخدم البيت حاليا كمزار أثري تنطلق منه الإحتفالات الثقافية والفنية ويشتمل المنزل على واجهتين أحدهما الرئيسية من الناحية الجنوبية الغربية والأخرى من الناحية الشمالية الشرقية أما الواجهتان الأخريان فإحداهما ملاصقة لمنزل الست وسيلة خاتون والأخرى ملاصقة لمبانى حديثة ويتكون المنزل من 3 وحدات معمارية يتوسطها فناء مكشوف ويتم الوصول إليه من مدخلين الأول رئيسى يقع فى الواجهة الجنوبية الغربية للمنزل والثانى ثانوى يقع فى الواجهة الشمالية الشرقية له ويفتح على زقاق العينى ويتألف المنزل من 3 طوابق الأرضى ويضم أهم أجزاء المنزل مثل المقعد فى الضلع الجنوبى والمندرة فى الضلع الشرقى وهى قاعة كبيرة كان صاحب البيت يستقبل ضيوفه من الرجال فيها مدخلها فى المنتصف ويعرف بإسم الدرقاعة وتتوسطه نافورة رائعة مزخرفة بقطع الفسيفساء الجميلة والأرضية مصنوعة من الرخام ذو الألوان الراقية والهادئة مما يعكس ذوق ورقى المعمارى المصرى فى هذه الحقبة وكان للنافورة هدف خفى حيث أنها كانت تمنع التجسس من خلال صوت المياه المرتفع الذى تحدثه وهى طريقة غير تقليدية للتشويش على ما يقوله الموجودون بالبيت وكانت هذه الطريقة شائعة فى هذه الفترة من العصر الإسلامى ذلك إلى جانب وظيفة مهمة لها وهى تبريد الهواء خلال أيام فصل الصيف الحارة ويحيط بالنافورة إيوانان منهما واحد مرتفع لتجلس به النساء بعيدا عن الأعين والآخر لجلسات الرجال وتقع الطاحونة والإسطبل وحاصل الغلال وغرفة السرداب فى الجهة الجنوبية الغربية للمنزل أما المطابخ والمنافع الأخرى فتوجد فى المنطقة الخلفية من الناحية الجنوبية الشرقية للمنزل أما الطابق الأول فيضم قاعة الحرملك وعدة غرف اخرى وبعض المنافع كما يتم الوصول عبر باب سرى بصدر الإيوان الشرقى لقاعة الحريم فى الطابق الأول إلى دهليز به عدة درجات صاعدة توصل إلى ممر يفتح عليه باب مربع يؤدى إلى مساحة مربعة محاطة بعدد 4 جدران ولكنها ذات سقف خشبي ثم يؤدى باقى الممر إلى مساحة أخرى ولكنها دون جدران كما يوجد به بناء بارز نصل منه إلى الدور العلوى ونستطيع هنا أن نقول إن بيت الهراوى يجسد نموذجا أصيلا لهندسة العمارة الإسلامية ويقف بقوة إلى جوار الآثار المصرية العظيمة التي شهد لها التاريخ وشهدت لها الأمم عبر كل العصور وقد تم البدء في ترميم هذا البيت عام 1986م بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار ووزارة الخارجية الفرنسية والمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة حيث إكتملت عملية الترميم عام 1993م وصدر قرار وزاري بتحويله إلى مركز إبداع فني تابع لصندوق التنمية الثقافية عام 1996 ومنذ ذلك التاريخ أصبح البيت مزارا أثريا وفنيا في نفس الوقت وإنطلقت منه عدة إحتفاليات ثقافية وفنية .
وقد إحتضن بيت الهراوى بيت العود العربى والذى أسسه الفنان العراقى نصير شمه عام 19988م ليكون أول مركز متخصص وشامل لدراسة كل ما يتعلق بآلة العود فى العالم وكان بيت العود العربي قد أقيم أصلا فى دار الأوبرا المصرية ولكن مع التزايد المطرد فى أعداد الطلاب قرر نصير شمه ووزير الثقافة وقتها الفنان فاروق حسنى نقل بيت العود إلى بيت الهراوى الذى أحس شمه أنه موقع أكثر ملاءمة لتعليم العزف على الآلة الكلاسيكية وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء نقل بيت العود العربى إلى هذا المبنى العثمانى البديع التصميم هو الأمل فى أن يلهم المعمار الهادئ للمنزل القديم وسقوفه الخشبية العالية المناسبة لسماع الموسيقى تلاميذ شمه ويبدو أن جمال المنزل الذى أعيد ترميمه بشكل بديع كان له مفعول السحر على طلاب شمه الذين يتحدثون بحميمية عن خبرة الدراسة فى بيت العود العربى وقد حقق بيت العود العربى نجاحا كبيرا حتى الآن ويرجع كثيرون إليه الفضل فى الإرتقاء بمستوى شكل من أشكال فنون العزف الموسيقى وتوفير الأجواء الراقية التى يستحقها هذا الفن الرفيع ولم تكن فكرة بيت العود العربى مجرد رغبة فى تأسيس مدرسة لتعليم الموسيقى قد توجد العشرات غيرها لكنها كانت ضرورة لتأسيس وتأصيل ثقافة العزف المنفرد وتطوير المهارات الفردية بشكل متخصص خلال فترة زمنية محددة لمدة عامين بالإضافة إلى تنمية موهبة التأليف والبحث الموسيقى ويقوم بيت العود العربى بدعم طلابه فنيا ومعرفيا من أجل إثراء ثقافتهم العلمية والأدبية من خلال إستخدام الطلبة لمكتبة بيت العود التى تشمل كتبا من جميع أنواع الثقافات الأدبية والفنية والفكرية بالإضافة إلى أنشطة البيت الثقافية والتى تستقطب جميع المثقفين فى مجالات الإبداع عبر ندوات وأمسيات ثقافية ويقوم الدارس فى بيت العود بعد إتمام دراسته بتقديم حفل موسيقي يعتبر هو مشروع التخرج بالنسبة له يعتمد بعدها كعازف منفرد لآلة العود وقد تخرج فى بيت العود العديد من العازفين المهرة الذين أثبتوا جدارتهم على مستوى العالم العربىٍ كما إستطاع أن يكون جمهورا جديدا لآلة العود والموسيقى العربية وأصبحت آلاتنا العربية متداولة من قبل الأطفال والشباب من الجنسين وقد أصبح الآن لدى بيت الهراوى أوركسترا مكونة من 67 عازف وعازفة على آلات العود والناى والقانون والبزق والإيقاعات كما تقوم الفرقة بتقديم كلاسيكيات ومؤلفات جديدة تستخدم مزجا فريدا بين الآلات الشرقية والتقنيات الحديثة لكى تستطيع هذه الآلات أن تتواصل مع الجيل الجديد وأن تكون معاصرة مع الإحتفاظ بأصالتها.
كما تأسست عبر البيت أول أوركسترا نسائية للعود مكونة من عشر عازفات بارعات والهدف منها دعم تواجد المرأة فى عالم الموسيقى العربية وقد قدم بيت العود عددا من العروض الإقليمية والعالمية فى أكثر من عشرين دولة بمشاركة خريجى وطلبة البيت وتم أيضا تأسيس ورشة لصناعة العود والقانون وإصلاح الآلات القديمة وتوفير كل مايحتاجه الطلبه والعازفين من أدوات وقد إختير بيت العود العربى عام 2003م كأفضل مشروع لتنمية الشباب العربى فى مجال الإبداع من قبل الجامعة الأميريكية بالقاهرة كما إستطاع أغلب خريجي وخريجات البيت تحقيق مراكز إبداعية متقدمة فى العالم العربى والأوروبى ومنهم من أصدر أسطوانات موسيقية وأسس لفرق بدأت تثبت وجودها فيما إتجه بعضهم لتدريس الآلة والعمل على البحوث الموسيقية المختلفة ومن أهم الإنجازات الدولية لبيت العود مشاركته فى أول أوركسترا فى العالم للموسيقى الشرقية ضمن 70 عازف من كل دول العالم فى مهرجان الموسيقى الكلاسيكية بأبو ظبى وقد شهد عام 2008م / 2009م طفرة موسيقية كبيرة فى نشاط بيت العود العربى من حيث إستحداث مواد دراسية تجريبية جديدة لخلق كيان موسيقى شرقى يكون باكورة لأول فريق للموسيقى العربية من الدارسين لهذه الآلات القانون والناى والإيقاع ونتيجة لنجاح بيت العود العربى فى مصر فقد تم تطبيق هذا النموذج بنفس المنهج وأسلوب العمل فى كل من الجزائر عام 2005م وأبو ظبى فى الإمارات العربية المتحدة عام 2007م كما تم خلال عام 2009م إفتتاح بيت العود فى كل من السودان وقطر ولم يقتصر نشاط مركز الهراوى للإبداع على إحتضان بيت العود العربى ولكن تنوعت العروض الفنية التى يقدمها ومنها بعض العروض المسرحية والحفلات موسيقية والغنائية كما إستطاع المركز أن يقدم للساحة الفنية عدد من المواهب الغنائية والموسيقية الشابة من خلال المهرجان السنوى الذى يقيمه الصندوق خلال شهر رمضان المعظم للفرق الفنية والتى لاقت نجاحا وإقبالا كبيرا وكانت نقطة إنطلاق للعديد منها .