السيد حجاج
النقد ملكة فطرية تتوفر لدى البشر كافة ولكن بدرجات متفاوتة، لذا فالنقد شأنه شأن كافة العلوم الانسانية له أسسه وقواعده ومعاييره التقيمية علاوة على الموهبة الفطرية، فالناقد – في مفهومنا له- أ/ناقد انطباعي ( متلقي عادي) يحكمه الهوى الشخصي المؤسس على ثقافته وبيئته ومعتقده الديني وايدلوجيته الفكرية، ب/ ناقد أكاديمي ( دارس متخصص نقد أدبي) يملك الأدوات النقدية عن معرفة علمية موثقة، ويطبقها حرفيا، ج/ ناقد متمكن توافرت لديه الموهبة النقدية بقوة، وعمل على تقويتها بالاطلاع الطوعي على كل المدارس النقدية قديمها وحديثها، واسع الاطلاع غني بالثقافة العامة ملم بكل العلوم الحياتية ( فكرية/ انسانية / تطبيقية).
وعلم النقد علم تابع يستقي قواعده من رافدين أساسيين وهما علم الفلسفة بجميع صنوفه، والفن السردي ( محط حديثنا)، فهو يتبع تلك العلوم ويؤطر لها او يفندها، وكما قلنا آنفا أن كل تلك العلوم علوم انسانية لذا فهى علوم متغيرة متطورة بمرور الزمن واختلاف الثقافات كذلك علم النقد..علم متطور.
ومنذ القدم نشأت مدارس نقدية موغلة في القدم من روادها ارسطو وتبعه الفلاسفة الاغريقيين، وتلاهم من العرب ابن رشد، وابن سينا(مؤسس علم الاجتماع)، وتولى قيادة القافلة من بعدهم فلاسفة الغرب..هيجل وتلامذته، وجدير بالذكر أن ننوه عن أول مؤسس لنظرية السرد الا وهو نورتروب فراي وذلك في كتاب اصدره منتصف القرن الماضي، وتبعه مؤسسًا لقواعده الحالية ” والاس مارتن” في كتابه ( قواعد نظرية السرد ) عام ١٩٩٨
ويمكن القول بأن أهمية النقد ووظفته وغايته تتلخص فيما يلي :
أولاً : دراسة العمل الأدبي : وتمثله وتفسيره وشرحه، واستظهار خصائصه الشعورية والتعبيرية، وتقويمه فنيا وموضوعيا .
وهذا يعني أن وظيفة النقد ليست هينة، وليس في مقدور كل شخص ان يضطلع بمهامه، أو أن يتصدى لتقويم الأدب وإبداء رأي فيه؛ لأن الناقد هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يقوم العمل الأدبي فنياً وموضوعياً.
ثانياً : تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب، وتحديد مدى ما أضافه الى التراث الأدبي في لغته، وفي العالم الأدبي كله، وأن نعرف : أهو نموذج جديد أم تكرار لنماذج سابقة مع شيء من التجديد؟ وهل ما فيه من جدة يشفع له في الوجود؟ أم هو فضله لا تضيف لرصيد الأدب شيئاً .
ثالثاً : تحديد مدى تأثر العمل الأدبي بالمحيط ومدى تأثيره فيه , وهذه ناحية من نواحي التقويم الكامل للعمل الأدبي من الناحية الفنية فضلا عن الناحية التاريخية , فإنه من المهم ان تعرف ماذا أخذ هذا العمل الأدبي، ومدى الاستجابة العادية للبيئة .
وقد فطن لهذه الغاية كثير من نقاد العرب القدماء والمحدثين فمن القدماء على سبيل المثال ابن سلام الذي أدرك تأثير البيئة على الشاعر، فجمع شعراء القرى (مكة والمدينة والطائف والبحرين واليمامة) في حديث واحد ، ومن المحدثين العقاد في كتابه
, شعراء ومصر وبيئاتهم في الجيل الماضي – الذي أقر في بدايته أن ” معرفة البيئة ضرورية في نقد كل شعر، في كل أمة، في كل جيل “
رابعاً : تصوير سمات صاحب العمل الأدبي – من خلال أعماله – وبيان خصائصه الشعورية والتعبيرية، وكشف العوامل النفسية التي اشتركت في تكوين هذه الأعمال، ووجهتها الوجهة المعينة، وذلك بلا تمحل ولا تكلف ولا جزم كذلك حاسم .
خامساً : النهوض بالأدب، وتوجيهه الى الكمال، برسم مناهجه، وتصحيح أخطائه، واستظهار مواطن حسنه.
سادساً : إنه يساعد قارئ الأدب على فهمه، ويعينه على تذوقه، ويحبب الناس في الفن، ويغرس فيهم الإحساس بالجمال