لست مع الذين يتخذون يوما عالميا لمناهضة العنف ضد المرأة , لأن المرأة لا تحتاج ليوم واحدا في العام لنقول لها , سنحميكي من العنف .إنها تحتاج إلي التخلص من هذا العنف الذي يمارس ضدها في كل لحظة وفي كل حين وفي أشكال متعددة .
وفي حديثي هذا سأتناول العنف الذي لا يتحدث عنه الآخرون , لأنني أري أن هذا العنف يخالف الشريعة الإسلامية . ومع ذلك لا أحد يتحدث عنه إطلاقا , بل بالعكس لا نسمع من المتحدثين بالدين إلا حديثا واحدا وهو ما معناه , لو بات الرجل غضبان علي زوجته لعنتها الملائكة حتي تصبح . أما حقوق المرأة الخاصة والشخصية فلا أحد يتحدث عنها ولا حتي المرأة نفسها .
فكيف يمكن لنا أن نساعدها في التخلص من ذلك العنف ومقاومته , في الوقت الذي لا تستطيع كثير من النساء إثبات بعض ذلك العنف أو الحديث عنه , أو مقاضاة من يعنفها .
هناك عنف منظور ومحسوس وتستطيع المرأة أن تتحدث عنه وأن تطالب بالحماية منه . ولكن أيضا هناك عنف غير منظور ولكنه يقهر روحها ويدمر كيانها ولكن للأسف لا تستطيع الحديث عنه . ولا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تستطيع الشكوي .
وذلك العنف يمارس ضد المرأة من جهات مختلفة ومن أشخاص متعددون . ويمارس ضدها في كل وقت ربما منذ ولادتها وحتي تترك الحياة .
ومن هذا العنف الذي لا تستطيع المرأة أن تتحدث عنه هو الذي يحدث بينها وبين زوجها ربما عن قصد وعن غير قصد في علاقتها الخاصة معه .
فمن خلال عملي كمحامية , كنت أستمع إلي شكاوي كثيرة جدا تكون هي السبب الأساسي لطلب الطلاق , ولكن المرأة لا تستطيع الحديث عنها فتهرب منها إلي شكاوي ممكن الحديث عنها مثل عدم الإنفاق أو الضرب والإيذاء .
وذلك أيضا ما نص عليه قانون الأحوال الشخصية من ضمن الحالات التي تكون سببا لطلب الطلاق , إلي أن أتي قانون الخلع فأزاح عبئا كبيرا عن كاهل المرأة , ورحمها من ضرورة أن تقوم بالشرح والتوضيح لأسباب الطلاق .
ولكن في أرض الواقع توجد نساء كثيرات لا تستطيع رفع دعاوي الخلع ولا طلب الطلاق لأسباب مالية أو إجتماعية أو إحتياج مالي .
ويوجد علي الجهة الأخري زوج يمارس العنف ضد زوجته ربما عن عمد وربما عن غير عمد فبعض الرجال أنانيون لا يعطون العلاقة الزوجية حقها كما أمر الله به , وبعضهم لا يهتمون , بل والبعض الآخر يستخدمون العلاقة الزوجية وحرمان المرأة منها كصورة من صور العقاب والضغط , وحتي دون فهم ودون وعي . وكثيرات زوجات تعيش مع زوجها وكأنهما أخوة , ولا يوجد بينهم علاقة المودة والرحمة والحقوق والواجبات .
ومثل تلك الحالات أنا شخصيا أعتبرها نوع من العنف ضد المرأة , بل وربما الأعنف والأكثر قهرا , حيث أن العنف فيها جسدي ومعنوي . وحيث أن الشكوي غير مسموح بها لا مجتمعيا ولا أخلاقيا ولا قانونيا .
أما صور العنف الأخري التي تتعرض لها المرة ولا تستطيع الحديث عنها , هو العنف الذي يحدث من أقرب الناس إليها , من الوالدين أو من الأخوة .
فقد تتعرض المرأة للعنف داخل اسرتها والتفرقة بينها وبين أخوتها الذكور , وتظل تلك الأشياء وهذه المشاعر مكبوتة بداخلها ولا تبوح بها لأحد ولكنها تترك بداخلها أثرا سيئا . وقد يتم حرمانها من الميراث بموجب عادات بالية قديمة ولا تمت للشرع بصلة , وقد ناقشت ذلك بوضوح في كتابي شرائع محرمة والذي صدر في عام 2014 . والذي به كيف أن العادات والتقاليد تحرم المرأة من أغلب الحقوق التي يقرها لها الشرع والدين , ومع ذلك يحرم المجتمع ما أباح الشرع والدين .
والسؤال هنا كيف نحمي المرأة المعنفة من العنف الممارس ضدها ؟
خاصة إذا كانت لا تستطيع درء ذلك العنف أوالمطالبة بمحاربته .
من وجهه نظري الشخصية لابد من عمل دورات وندوات للرجال والنساء , يحاضر فيها أطباء وإخصائيين إجتماعيين لتوعية الزوجين معا عن مدي الضرر النفسي والجسدي الذي يلحق بالمرأة التتي تتعرض لهذا النوع من العنف في علاقتها الخاصة جدا مع زوجها .
وكذلك يجب عمل توعية بالمدارس وتنشئة التلاميذ علي أن الذكر والأنثي متساوون في الحقوق والواجبات , وأن المجتمع لا يكون سويا إلا في حالة أن يكون به البشر أسوياء وأن الإنسانية تكون من خلال النظر للإنسان مجردا من نوعه وجنسه .
وأن الشرع عندما حدد انصبة للمواريث لابد أن نلتزم بما شرع الله من فوق سبع سموات , وأنه لا يجب أن نضع نحن شرائع من عندنا ونطبق تلك الشرائع ونحرم شرائع الله وذلك ما قصدته في كتابي ( شرائع محرمة ) .
ثم يجب أن يأتي القانون ليمنح الحماية لتلك الحقوق والتي لا تستطيع المرأة الحصول عليها بالرغم من أنه توجد آيآت قرآنية تحدد تلك الأنصبة .
وأقترح أن يكون التقسيم بأن تتم عملية تقسيم الأرث من خلال محكمة الأسرة , بعمل جرد للتركة وتقسيمها طبعا للأنصبة المنصوص عليها شرعا , وأن يصدر بها حكم يحدد لكل شخص نصيبه المفروض له .
لأننا إن أصدرنا القانون الذي يجرم حرمان الأشخاص من الميراث وفقط , سيواجهنا عدم قدرة النساء تحديدا إجتماعيا وإنسانيا علي الذهاب للمحكمة أو تقديم شكوي جزائية ضد أخ أو عم أو خال وتقديمه إلي المحكمة كمتهم .
وإن كان القانون سيكون به بعض الردع لمن تسول له نفسه ظلم أنثي وحرمانها من حقها الشرعي في الميراث .