بقلم . دكتور محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
مما لاشك فيه كما تحدثتُ سابقاً ان التنوير الإسلامي بدأ مع أول كلمة نزلت في القرآن الكريم وهي كلمة * اقرأ *
فعل أمر لكل البشر وإن كانت وحياً أُنزل على خيرالبشر سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمسلمين ….اقرأ… فعل أمر محايد يخلو من أي ميل أو هوى …دعوة لحرية العقل وسلامة الفكر من أي معتقد سابق أو عقيدة دفينة في النفس .
فعل أمر لكل إبناء أدم دون عصبية ولا عنصرية , إعمال العقل وتنصيبه ناصية الفكردون الإبتداع أو الإتباع …اقرأ … فعل أمر به مناط القياس والإستدال بنقاط ثابتة يتفق عليها كل الأطراف … خروج العقل من قصوره الذاتي الذي ارتكبه في حق نفسه … فطام العقل وخروجه من التبعية للغير وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الألماني إيمانول كانت في بداية القرن الثامن عشر , لقد جاء القرآن الكريم بتعريفٍ دقيقٍ للتنويرفي القرن السابع قبل إيمانويل كانت بإحدى عشر قرناً من الزمان .
التنويرحركة عالمية دعا إليها الإسلام العالم كله , لم يكن التنوير الإسلامي محلي المكان أو الزمان ولكن كلمة اقرأ تبرهن على عالمية التنوير دون أي مناقشة .
التنوير الأوروبي جاء ليحرر العقل من سطوة الكنيسة ومن صكوك الغفران , لقد تحالفت الكنيسة مع الحكام والملوك والأمراء في الوقت الذي تبارك فيه الكنيسة ذوي الحكام والملوك للتربع على عرش السلطة كان الملوك يغدقون عليهم المنح والعطايا والهدايا .
وعاشت أوروبا عصور الظلام وتسلل إليها شعاع التنوير من قبس نور القرآن من وحي اقرأ .
عودة للسؤال المطروح :
لماذا يغيب التنوير في البلاد العربية؟ إذا كانت شروط التنوير تتسم بالعالمية وتتجاوز ما هو محلي وخاص, لماذا تحققت فى أوروبا ولم تتحقق فى المجتمعات العربية؟
التنوير الإسلامي دعوة للقراءة وإعمال العقل ولكننا لم نعِ هذا المفهوم , وقف العقل العربي وتراجع بعد أن احرز نهضة علمية أضاءت العالم كله في الوقت الذي كانت أوروبا تغط في سبات عميق وظلامية من الجهل , لقد نقلت أوروبا علوم العرب واستمرت في التعديل والتطوير في الوقت الذي أُصيب العالم العربي بإنسداد في الشريان التاجي للتنوير, حدث إنقطاع في أوردة الفكر, هذا الإنقطاع الفكري والتاريخي أدى إلى ضمورأوردة الإبداع والإبتكار, نعم نحن أصحاب قاطرة التنوير ولكن إلى أين نحن نسير ؟ قاطرة التنوير مازلت تطلق صفارتها وتخلف من وراءها دخانها لتنطلق من عصر إلى عصر ومن فكر إلى فكر أما نحن مازلنا نبكي على دخان قاطرة التنوير التي إنطلقت من بلادنا يوماً ما ….. لقد فسرالمسلمون القرآن تفسيراً محلياً من زوايا ضيقة , الدين الإسلامي يحث على العلم والبحث والفكر والتامل والإبداع واليراع العلم والقرآن توأمان وخطان متوازيان لكلا منهما ظلٌ على الأخر , لابد من إعادة تنقية التراث الديني من كل شوائب لا تتفق مع القرآن والعقل والمنطق , لابد من الوقوف مع النفس لإعادة صياغة الهوية الفكرية التي تتنفس من شهيق القرآن وزفير العلم …. العيب في المسلمين لا في الإسلام ….!!
التنوير إضاءة للعقل وتقويم للسلوك , حينما نترك للعقل حريته للتفكير وحينما نسلك السلوك الإسلامي القويم نكون على درب التنوير .
لم يتحقق التنوير في المجتمعات العربية لان فاقد الشئ لا يعطيه , الخص ما سبق في الأسباب التالية :
1 ) الفجوة والإنقطاع بيننا وبين شريان التنوير التاجي الذي أضاء العالم في عصور الظلام الأوروبية .
2 ) إعادة الدعوة لعبادة التأمل والتدبر وإعمال العقل بالعقل .
3 ) تنقية كتب التراث من أفكار لا تتفق مع القرآن والعقل والمنطق .
4 ) لن يولد فكر وراء الجدران , لابد من مناقشة الفكر بالفكر .
5 ) العودة للقيم والسلوك السماوي سواء بسواء من الكتب السماوية الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن .
6 ) البدء من حيث انتهى الأخرون ….في قاطرة العلم والتنوير .
7 ) تحقيق مبدأ العدالة في كل شئ حتى يتنفس الإبداع شهيقه في أغصان الحرية والمساواة .
88 ) التنوير من النور والنور من كتاب الله , كيف يكون لنا نوراً من الله ونعيش في ظلام وأوهام … مجرد سؤال ؟
لماذا أشرقت شمس التنوير في أوروبا وغابت في بلادنا ؟
أشرقت شمس التنوير في أوروبا وغابت في بلادنا للأسباب التالية :
1 ) اوروبا نقلت العلم من العالم العربي والإسلامي وطورته
2 ) الثورة على الكنيسة لظلم الكنيسة للناس
3 ) بزوغ عصر النهضة في إيطاليا ثم انتشارها في سائر أوروبا
4 ) ثورة الفنون وتألقها
5 ) بدء قاطرة الثورة الصناعية في أوروبا
6 ) تعدد المدارس الفكرية والفلسفية وإختلاف مناهج التفكير
7 ) ثورة التفكير والإختراع والإنتاج والتصدير
8 ) الدعوة لإحياء قيمة الإنسان كإنسان بغض النظر عن الدين أو اللون أواللغة أو العرق .
99 ) فصل الدولة عن الكنيسة
الثورة على الكنيسة
صكوكُ الغفران:
بدأ (مارتن لوثر) نشاطَه في مقاومةِ بابا (روما) (لويس العاشر) في الفترة (1517 ـ 1524)، عندما أصدرَ هذا البابا صكوكَ الغفران، وفوّضَ (يوحنّا تنزل) بتحصيلِ ثمنِ هذه الصكوكِ، لاحتياجِه إلى المالِ ليُكملَ كنيسةَ (القديسِ بطرس) وبعضَ الغاياتِ الأخرى، فكان (يوحنا تنزل) يمرُّ في الشوارعِ والطرقاتِ حاملاً منشورَ البابا، داعياً الجميعَ إلى إغتنامِ هذه الفرصةِ بشراءِ صكوكِ غفرانِ الخطايا، لغفرانِ الخطايا الماضيةِ والمستقبليةِ أيضاً!
وكانت هذه الصكوكُ ذاتَ فئاتٍ مختلفةٍ لغفرانِ مُددٍ مُختلفة (100 يوم ـ 4000 يوم)، وكلُّ مدّةٍ لها ثمنٌ مُختلف!!
فكان الشعبُ المسكينُ الذي استولتْ على عقلِه تلك الضلالاتُ الباطلةُ يُسرعُ إلى اختطافِ هذه الغفراناتِ من يدِ (تنزل) ودفعِ النقودِ اللازمة.فابتدأ (لوثر) يُقاومُ هذا العملَ، ويُندّدُ بفسادِه تنديداً قاسياً، حتى بلغَ ذلك مسامعَ البابا، فدعاه إلى (روما)، فلم يُلَبِّ الدعوة، بل أجابَ البابا بتأليفِ كتابينِ، سمّى الكتابَ الأوّلَ ” سبى الكنيسة البابليّ ” وسمّى الكتابَ الثاني ” كسر ختم المسيح الدجال “، فاحتدمَ البابا غيظًا، وبادرَ بحرمانِه من غفرانِ الكنيسةِ سنةَ 1526.. غيرَ أنّ (لوثر) لم يعبأ بالحرمان، بل أحرقَ جهاراً على رؤوسِ الملأ، جميعَ المنشوراتِ البابويةِ الخاصةِ بذلك، وسْطَ تهليلِ أتباعِه واستحسانِهم.
الثورة اللوثورية
لما استفحلَ أمرُ (لوثر) وتعاظمَ خطرُه وكثُرُ أعوانُه، دعاه الإمبراطور (كارلوس) إلى (ورمس) وأعطاه الأمان، حيث كان مجتمعًا جمهورٌ غفيرٌ من الأمراءِ والأساقفةِ وأكابرِ الأكليروس، وطلبَ إليه أن ينبذَ تعاليمَه فأبى، وإذ رآه الملك مُصرًا على رأيِه، أطلق سبيلَه وأمرَ بإحراقِ مؤلفاته.
وقد ساند (مارتن لوثر) والى (سكسونيا) المدعو (فريدريك) و(أندراوس كولوستاد) و(فيليبس ميلانكتون) أستاذُ اللغةِ اليونانيةِ فى (ويتمبرج) وغيرُهم.
وقد تقوّى بملكِ (هيس)، الذي أباحَ له (لوثر) الزواجَ بزوجةٍ أخرى فوقَ زوجتِه التي كانت على قيدِ الحياة، وخلعَ (لوثر) ثوبَ الرهبنة وتزوّجَ مِن الراهبةِ (كاترينا)، فقد كانَ معترضًا على عدمِ زواجِ القساوسة، وأنَّ ذلك دونَ سندٍ من الكتابِ المقدّس.و قد انتشرت أفكارُه، التي هاجمَ فيها السلطةَ البابويّةَ بسببِ فسادِها، كما هاجم فيها أحيانًا السلطةَ الزمنيّة (المدنيّة)، ممّا أدّى إلى ثورةٍ الفلاحينَ الجامحةِ على الإقطاعِ وعلى ابتزازِ الكنيسةِ لأموالِهم، حيثُ دعَوْا إلى شيوعِ الممتلكات، وحقِّهم في انتخابِ جميعِ الموظّفين والحكّام، وتقليلِ الضرائبِ وإعادةِ تحديدِ إيجاراتِ الأراضي الزراعيّة، فحدثتْ فوضى هائلةٌ، إلى أن قُمعت تلك الثورةُ نهائيًّا.. ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ (لوثر) نفسَه كانَ ضدَّ هذه الثورة، وضدَّ الشغبِ والخروجِ على سلطةِ الحكومات ـ ممّا أدّى لسخطِ جماهيرِ الثائرينَ عليه ـ فقد كانَ يرى أنّ الدولةَ تمتلكُ سلطةً إلهيّةً لحفظِ النظامِ وفرضِ الطاعةِ حتّى بإراقةِ الدماء، وأنّ على كلِّ إنسانٍ أن يعبدَ اللهَ بأن يبقى في وظيفتِه ومهنتِه، مهما كانتْ وضيعةً وبسيطة.كما أدّتْ كتاباتُ (لوثر) إلى ظهورِ العديدِ من الحركاتِ الدينيّةِ ذاتِ العقائدِ الغريبةِ، كلُّ منها فسّرَ الإنجيلَ على حسبِ هواه، إذ دعا (لوثر) إلى أنَّ من حقِّ كلِّ إنسانٍ أن يُفسّرَ الإنجيلَ على حسبِ اعتقادِه الشّخصيِّ مهما كانتْ ثقافتُه، وذلك حتّى يُحرّرَ الناسَ من خضوعِهم لتفسيرِ البابويّة الخاصّ.وقد بلغتِ الشيعُ التي قامت في حياتِه من بينِ تلاميذِه 34 شيعة، وربّما يكونُ عددُها قد وصلَ حاليًّا إلى ما يقربُ من ألفِ شيعة.. وقد كانَ لبعضِ هذه المذاهبِ اتّجاهاتٌ ثوريّةٌ سياسيّةٌ واجتماعيّة، مثلِ (اللامعمدانيّة).
لقد كانت ثورة مارتن لوثر ضد فساد الكنيسة من أهم أسباب تحقيق التنوير في أوروبا .
القياس مختلف التنوير الأوروبي كان ضد فساد الكنيسة أما التنويرفي بلادنا يحتاج لصلاح أنفسنا لتستقيم الأمور مع دين يساند العقل ويدعم العلم وينادي بالآخلاق الحسنة والمساواة عندئذ ترى بلادنا تنويراً قادراً على الإبتكار والإبداع والإنتاج , دون إستهلاك إفرازات التنوير الغربي من تقدم وإختراع ……!!