بقلم/ عصام علي
لم يكن أمامه إلا الرحيل ! طاف قلبه بين سواري المسجد القبلي ، ولامست أنامله جدار البراق ملامسة الوداع الأخير ، ترك شفاهه تتذوق هباء الجدار ، وأنفه تشتم عطره ، عينه تغوص في تفاصيله لبنة لبنة ! حبه للأقصى كل ثروته التي لا يستطيع ورثته امتلاكها من بعده! أيعقل أن تكون تركة ما يحرم منها صاحبها ويحكم الآخرون بها لمن لا يملكها؟ !!
لقد منحته الحياة بعد استشهاد أهله جميعا : أمه ، وأبيه ، ومن قبلهم إخوته ومعشوقته ” وصال ” أهلا أدوم ، وعشقا أكبر هو ” الأقصى ”
لم يكن ترك “رام الله ” بالنسبة له هينا ، فلقد كانت مساجدها بالنسبة له مأواه الذي لا يعرف غيره ، ينام فيها بأحضانه توأمه ” أقصى وقدس ” ذالكما كل شيء له ، انقطع لسانه عن حديث البشر سواهما رغم طفولتهما التي لا تجيد التعبير . السرور لا يعرف قلبه إلا في السابع والعشرين من رجب ؛ حين تزدان مساجد المدينة احتفالا بذكرى الإسراء والمعراج ، يُطوّف كل مساجد المدينة بحثا عن القرشي الذي أتى منذ زمن على براقه ، فحل على أرضها السلام والمودة ! ينهكه البحث ، وينال منه التعب ؛ ينام هو وتوأمه واقفين !! كان النوم وقوفا إحدى عجائبه في الحياة التي تجعل البشر يفرون منه ، وفي ليلة شهد نهارها صفعة له من أحد جنود الاحتلال بعد أن بصقت عليه ” قدس ” تلقى الصفعة وفي عينيه الشكوى إلى الله – نام واقفا – كعادته في تلك الليالي – ليرى في منامه القرشي الرحيم قادما على براقه وهو المنتظر الوحيد له ، يأخذ بخطام براقه ، يطلب منه أن ينزل فيشير إليه بالصعود ومعه توأمه .
– إلى أين نذهب ؟!
– إلى الأقصى .
يستيقظ من نومه ليجد أقدامه تتجه به ناحية القدس ، داخل الأقصى ، وهناك يقيم يخدم زوار الأقصى ، يصلي كل ليلة خلف القرشي الرحيم ، يتحدث معه كل ليلة ويخرج عن صمته ، يبكي أمامه بعد كل حفر يحدثه اليهود ، بعد كل وطأة قدم لكلاب البشر داخل الأقصى ، هناك كبر هو وهرم ، هناك شب أقصى ، وتلألىء نجم قدس ، هناك صرخ الأقصى حزنا ؛ فلقد ذهب منه صاحب البراق ، ورحل معه بمفرده تاركا ” أقصى وقدس ” لعل صاحب البراق يزور يوما !!