له غاية من وراء الإلتزام بالصمت. وله غاية من وراء الثرثرة. سأفهم لماذا كان لسانه طويلاً جداً . وعندما سألته عن سبب لجوئه إلى جزيرتنا سكت نهائيا.
ملك الجزيرة لا يفهم ما به . ويرى أن الطبيب لا بد أن يَعترف بسقمه .ليبحث له عن طبيب يداويه. ملك الجزيرة يواصل الحديث مع نفسه بعدما حدثه طويلا ولم يسمع منه إلا حركات رأس يرفض النطق . وإحائات أعين ترفض الإجابة . وإشارة يد تتمنى أن لا يسأل الملك سؤاله مجددا.
ملك الجزيرة في نفسه متسائلاً : لا يمكن أن يتنفس هذا الطبيب أمامي لعشرة ساعات . بدون أن أفهم أنه مريض . الأن فهمت أنه مريض . ولا يقوى على سماع سؤال إجابته سهلة. ومع هذا سأكرر المحاولة: من أي بلد أتيت يا نجم
.كان الطبيب الرحالة نجم يرحل من بلد إلى أخر ويقدم علاجه للناس مجانا .وينال الهدايا والعطايا من الرعية والحُكام . ولهذا السبب هو في جزيرة الملك جلال . وهو يعرف أن عدم الإجابة يعني شفاء الملك وزوجته من العقم. نصحته أفكاره الخيرة بتقديم مساعدة للعادل جلال . فبادر بزيارة جزيرته .وها هو يسعى لتخليصه من شر إنعدام النسل . وحرصا على إنجاح خطته لم يتحدث هذه المرة أيضاً . ورفض رأسه الإجابة متحركاً من اليمين إلى اليسار ما يكفي ليغير الملك رأيه ويتنازل عن فتح فم نجم مجدداً.
نجم الطبيب لا يعرف سره أحد . فهو رجل طيب القلب كان في بداية طفولته . وبمجرد ما بدأ يتعلم النطق . قد تلقى دروس الطب الخيري عن أبويه،أحلام والعباس. وكان في بداية شبابه لمَّا بلغ السادسة عشرة قد رأى حلمه الأول . وآن ذاك رأى نجماً من السماء يتكلم قال له سوف أعلمك كيف تعالج الناس عن طريق الأحلام. وسأظهر لك في المنام كلما أردت علاج مريض. وأشرح لك كيف تداويه. ولا يزال نجم يطبق هذه الحيلة بينه وبين النجم . حتى بلغ من العمر 29سنة. وهذا دور الملك جلال في العلاج. وقد أشار النجم على الطبيب نجم بفكرة السكوت في مجلس جلال. إذا سأله عن البلد الذي جاء منه .لآن السكوت رأس كل حكمة . ويريد النجم هنا إنزال بركاته على الملك .ليتعلم منه الحكمة .وبعدها يصبح قادرا على إنجاب حكيما مثله .تفرح به الأرض وتنتظر موعد مولده ليعمرها ولا يُدمرها.
قال الملك للطبيب : يا نجم يا بني أنا الأن لا وقت معي أضيعه مع صبرك على ملك مثلي . ولكن إبقى معي المزيد من الوقت لآني أشعر بك . وأفهم أنك تخفي عني صوتك. لسبب ما ليس خطيراً. وأشعر أيضا بجمال قلبك ورغبتك في تقديم مساعدة لي . بل إني أشعر بأن السماء أرسلتك لي . وأشعر بأنك ستنال الكثير من الهدايا والعطايا. فتكلم من فضلك . ساعدني على عدم صرفك بدون حقك.
نجم قرر الحديث . وقال لجلال هل يفكر مولاي في الإستماع إلى الحقيقة أو الكذب؟
فقال الملك أنا لا بد لي من الإنجاب يا نجم . ولا أخشى ما يقوله الناس من الحق . ولآن العقم حق ، قصري لا ينشر الأكاذيب . وليعلم الجميع أني عاقر عقيم. ولكن فليعلموا أيضا أني أبو نجم الدين.
فقال نجم للملك: أبو نجم الدين والزهراء . لما لا يا مولاي.
الملك : كيف عرفت أن حلمي لا يتوقف . وأن إبني نجم الدين وإبنتي الزهراء . غالبا ما يقتلا على أبواب هذه القلعة وهما يدافعان عنها. وهل من حل للنجاة.
الطبيب نجم: إطمئن يا سيدي فقد وصلت إلى هنا قادما من أنطاليا.
الملك: الحمد لله أنت لست قاتل أبنائي . لذا سألتك وألحيت في السؤال . طبيب أبنائي القادم من أنطاليا لا يفارق منامي منذ 10سنوات .
الطبيب نجم: ليكن في علم مولاي أني كنت قد جهزت الدواء المناسب وسافرت إليكم . رغبة مني في مساعدتكم على الإنجاب. ولكن لا بد أن تتناول الدواء ولا تسألني عن من صنعه . هذا شرط الوصفة الوحيد .
الملك جلال قرر أن لا يبتعد عن طبيب كشف إسم إبنته . بدون أن ينفذ كل ما قاله له . وقرر تناول الدواء بإنتظام.أما الطبيب نجم فقرر البقاء في قصر جلال . حتى تنجب إحدى زوجاته الأمير نجم الدين.
بعد مرور أربعة أشهرفقط على قدوم نجم إلى جزيرة جلال . أصبحت زوجته كروانة حاملا. وأصبح نجم في القصر كأنه المليك بالظبط . يتمتع بكل صلاحيات الضيف النبيل . بأمر من جلال الذي يَمنح هذه الصلاحيات لأشقائه وشقيقاته فقط .
وَمَرتْ الأيام كما هداها النجم . وولدت كروانالأمير نجم الدين . الذي كان قرة عين الملك الذي لا يزال يطمع في رؤية الزهراء. وذات يوم قال لنجم وهو يجلس على عرشه ويحمل ولي عهده . قال: هل أفرحك كثيرا كثيرا يا نجم . أو تفضل الرحيل إلى بلاد أخرى لتعالج الناس وتنال نصيبك من الأفراح الأهم .فقال نجم: والله يا مولاي الملك أنا لم أعد أتحمل فراق الزهراء . فقال له الملك: إن أم نجم الدين قد حملت لي مُجددا . وأظن الزهراء قد إشتاقت لي ولك . وترغب في تجريد سيفها من غمده وتنتصر مع شقيقها على الأوغاد.
ففرح نجم بما سمع. وإستمر فرحه مصحوباً بخوفٍ شديد على سلامة كروانة والزهراء. وفي يوم أنجى الله الملكة والأميرة . قال نجم لجلال : الحمد لله لقد صدقك الرؤية وصدقني الرؤية .وأنجبت كروانة الزهراء ونجم الدين.
الملك جلال: لابد أن تصدق الرحمة . وأنا كنت ُأأمن بالله وأطبق العَدل . وأرحم الفقير والضعيف . وأعفو عن التائب والخائف والمُثطر. وأساعِد العُلماء والشجعان والفرسان.
الطبيب نجم: أعلم مولاي بأني سأبقى في هذه الديار . ولا أرحل عنها إلا إلى إسطنبول مسقط رأسي . هذا بعد إذن جلالتكم.
وعاش نجم ونجم الدين والزهراء والملك جلال والملكة كروانة سويا.ً يتعلمون ُطرق الإهتداء بالنجم وتصديق كلماته وما يقوله للطبيب نجم . ويعلمون العلماء والأطباء كما أمر.