د- سامية يحياوي/الجزائر
لقد استحوذ الأولاد على أبيهم، ولم يتركوا لها مجالا لاحتضانه، أو حتى التقرب منه، لتسرق لحظة حب مفعمة بالمشاعر تنسيها فترة الغياب، وتعب المسؤولية التي كانت ملقاة على عاتقها.
تطرقت القاصة في قصة “دموع البحر” إلى موضوع الهجرة غير الشرعية بسبب الفقر وتردي الأوضاع الاجتماعية في المغرب، هذه الغربة؛ وما تسببه من لوعة وألم تحملت قسوتها المرأة أمّا كانت أوحبيبة. حيث قرر “حسن” الهجرة إلى الغرب ليترك أمه وحبيبته ووطنه يبكيه، ويغوص في المجهول كيونس الذي ابتلعه الحوت، أوكالسندباد الذي امتطى مغامرة السفر ولا يدري ما مصيره.
غاصت الساردة أكثر في أحداث رافقت يوميات كدح الأنثى وجهادها، فروت تفاصيل وجع الفقد وصبر المرأة، وإيمانها بالقضاء والقدر،فتحدثت عن فقدان المرأة لأخيها في قصة “رواية أنثى في غربة تراب”، وفقدان الخطيب والحبيب في قصة “وشاح أحمر”.
من جهة أخرى انساب الحكي ليسلط الضوء على ممارسات غير أخلاقية تطال المرأة في المجتمع، عندما تدفعها الظروف للخروج من المنزل للعمل، فتصف لنا الكاتبة بلغة واقعية معاناة المرأة والتعسف الذي تعاني منه في البيت أو الشارع.
فتحدثت في قصة “خلجات أنثى تحت الأسر” عن قضية اهمال الزوج لزوجته عاطفيا، وعدم التغزل بها ، فتحكي معاناة “فاطمة” من برود زوجها “عادل”، وابتعاده عنها دون سبب، تقول: “فاطمة ترتب موائد الليل وحلكته التي تريد أن تنيرها بابتسامتها الهادئة ولمساتها الرقيقة. تتابع فلما تلفزيونيا، تعيش لحظات الرومانسية مع ذاتها، تتوق لواقع بستائر متمايلة موسيقى هادئة….لكنه في هذه الليلة لا يفكر في شيء سوى نوم على أريكة حلمه المنفرد؟ …فذبل الأقحوان عندما غابت عنه قطرات ندى الفصول” ص56-57
وتروي الكاتبة في قصة “ثعلب بجلباب” أحداثا عن الخيانة الزوجية، وعن معاناة “هدى” من اهمال زوجها المتدين المحافظ، والملتزم الذي يقضي ليلاليه مع بنات الليل، تاركا وردته في البيت تذبل كل يوم تقول:”كل هذا والفجر ينتظر قدومه من ليله الماجن ليتوضأ ببضع قطرا غفران ويزيل عنه درن عفن وشفاه عارية بطلاء أحمر بلون دم العار، لبس “باسل قميص الخيانة ونسمها بكولونيا الكذب فبدت رائحة القبح كورود الدفلى جلد بصوف ثعلب يدير بعينيه كما عقارب الساعة في كل زمكنة الصدف، صادق في اقتناص العذر، باسل زوج بلحية وسبحة وعطر يملأ أرجاء البيت مع تراتيل وأوردة ببسملة وحوقلة ربما ينساها في فراش الشبق…”ص30 فاضت تداعيات الأنا لدى “هدى”التي أذعنت بأن تمضي حياتها عزباء بلقب متزوجة.
تجلت شخصية المرأة في القصتين، كشخصية قلقة معقدة غير متصالحة مع ذاتها، ولا مع محيطها خاضعة لرجل غير متزن، رافضة للتحرر ونسج حياة تفرض فيها نفسها دون الخروج عن الشرع والعرف.
بالمقابل أعطت الساردة نموذجا سلبيا عن المرأة الخائنة، التي تستغل غياب زوجها للعمل من أجل اللهو والعبث مع الرجال، في قصة “ستائر متدلية”
تقول:”يقتادني الشوق إليك
معصوب العينين
نبضي مجعد وأوراقي مبثورة
حتى الكبد أسرته في جب يوسف
واتهمت الذئب حيا
دون جدوى سقطت رجولتي
وجمجمتي كسرها الفقد
أهي الخيانة كأس سم بلون الشمس
أم غريزة امرأة تهوى ما تحت السرة
…بين دفتي الخيانة واغتيال العهد” ص33
ترسم لنا “فوزية الفيلالي” في احدى تخوم قصصها “أساور بنعناع”، صورة محزنة عن العنوسة، وتلاشي حلم الانجاب والأمومة، تقول:”هي امرأة خمسينية أخذت من مواجع الزمن وحكاياته قسطا وافرا صقل شجيتها…فهي عانس لم يكتب لها القدر التلذذ بحضن عريس نصيبا، حمدت الله لطيفة وعاشت في كنف أسرتها تخدمهم وتخدم أبناء المتزوجين من اخوانها، جمال روحها جعلها تغرم بالأطفال الصغار تعشقهم حدّ الجنون” ص24 وتسرد القصة عثورها على طفل ضائع فتُتّهم بأنه ابنها وتود التخلص منه، لكن في الأخير تظهر والدة الطفل الحقيقية لترجع إلى المنزل تجر أذيال الخيبة، مرددة في داخلها أن “القانون لا يحمي المغفلين”.