إعداد/ محمد مأمون ليله
وجوه القلب
قال الشيخ المكرم / أحمد محمد علي وفقه الله:
وجه الشيء حقيقته وذاته، فوجه القلب حقيقته وذاته، يقول الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي رضى الله عنه: “إن القلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ أبدا” فالقلب ذو وجوه ستة، لكل وجه من وجوه القلب إمداد من الله لهذا القلب ليمده من العلوم والحقائق بالنظر إليها، ومنها تكون إمداده ، ولا يستطيع القلب النظر إلى تلك الإمداد الإلهي إلا إذا تم جلاء وجوه القلب ليتحقق النظر إلى تلك الإمدادات كما يلي:
فالوجه الأول: ينظر إلى إمداد فهم علوم الأحكام الشرعية، وجلاء تلك الوجه لينظر إليها القلب يكون بالمجاهدات البدنية من الصوم، وقيام الليل، وذكر اللسان، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله.
والوجه الثاني: ينظر إلى إمداد الإختيار فيما يعرض على القلب، وجلاء تلك الوجه لينظر إليها القلب يكون بالتفويض إلى الله، وهو تفويض العبد أمره إلى الله فيقبل أمره ونهيه.
والوجه الثالث: ينظر إلى إمداد الإبداع، وجلاء تلك الوجه لينظر إليها القلب يكون بالفكر الذي هو الاعتبار قال – تعالى -: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 191]
والوجه الرابع: ينظر إلى إمداد الخطاب الإلهي الموجه إلى القلب، وجلاء تلك الوجه لينظر إليها القلب يكون بإزالة التعلق بالأسباب من القلب.
والوجه الخامس: ينظر إلى سريان الحياة في الموجودات، فسرى في الموجودات كلها فبه تجمدت الجمادات، وبه نبتت النباتات، وبه حييت الحيوانات فكل نطق في تسبيحه بحمده لسر سريان الحياة فيه فالله – تعالى – يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: 44] في كل شيء أنه مسبح وكل مسبح حي عقلا، وجلاء تلك الوجه لينظر إليها القلب يكون بالفناء عن وجودها، فلا يبقى لها أثر تعلق في القلب.
والوجه السادس: ينظر إلى ما لا يقال من الأسرار الإلهية التي لا تُعرف إلا بتعريف الله لها، وجلاء تلك الوجه لينظر إليها القلب أن لا يكون للقلب مقام في تلك الأسرار، فقلوب العارفين مقابر الأسرار.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.