بكت زوجة سيدنا ابو ذر ( رضي الله عنه) وهو يحتضر فسألها : ما يبكيك؟
قالت : تموت هنا في صحراء الربذة ، لا ثوب نكفنك فيه ولا احد يصلي عليك .
فقال لها : ابشري هذا ما بشرني به النبي محمد صل الله عليه وسلم ذات يوم فقد كنت انا وفلان وفلان وفلان وسماهم بالاسم ودخل علينا النبي فقال :
“سيموت رجل منكم بالصحراء وسيصلي عليه جماعة عظيمة من المؤمنين”
وقد مات جميع الصحابة الذين كانوا معي اثناء تلك البشرى النبوية ، ولم يبق الا انا فانا المقصود من تلك البشرى.
فقالت : و ماذا افعل الان ؟؟؟
قال وهو يلفظ انفاسه الاخيرة : ضعيني على قارعة الطريق فاول ركب قادم سيكون هم كبار الصحابة العظام الذين بشر بهم النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، وانهم سيصلون علي بلا ادنى ريب كما بشرني النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي الحال مر وفد قادم من العراق من الصحابة الكبار وفي مقدمتهم سيدنا عبد الله بن مسعود وكبار الانصار رضي الله عنهم جميعا فسالوها : ما يبكيك ؟
قالت : هذا زوجي ابي ذر ، لا نجد ثوبا نكفنه فيه .
فتسابق الانصار من يكفنه في ثوبه فكفنوه ثم صلوا عليه جميعا ، ودعوا له بالجنة والمغفرة.
وتذكر الصحابة يوم غزوة تبوك لما تاخر ابو ذر عندما تعثر بعيره
وجاء ماشيا يلهث يجري تارة ويمشي تارة اخري
وحيداً بلا أنيس ولا جمل يركبه في الصحراء المحرقة
يريد اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم بتبوك .
وما ان راه النبي يومها حتى امتلأ وجهه صلى الله عليه وسلم بالبشر والسرور ، ثم البسه تاج التميز والانفراد والاخلاص .
فقال يومها الرسول ( صلى الله عليه وسلم) للصحابة :
“يرحمك الله يا ابا ذر تمشي وحيداً وتموت وحيداً وتبعث يوم القيامة وحيداً “.
وحيداً أي متميزاً من كثرة خصالة الحميدة وقد تحققت البشرى.
هو جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام من بني غفار، وهو أصحّ ما قِيل فيه، وقد وردت العديد من الأسماء الأخرى لأبي ذَرٍّ؛ فقد قِيل إنّ اسمه هو: برير بن عبدالله، وقِيل: برير بن جنادة، وقِيل: بريرة بن عشرقة، وقِيل: جندب بن عبدالله، وقِيل: جندب بن سكن، وقد قِيل أيضاً إنّه: جندب بن جنادة بن سفيان بن عُبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة الغفاري، وأمّه هي رملة بنت الوقيعة الغفاري، وكلاهما من بني غفار؛ وغفار هي إحدى قبائل بني كنانة إسلام أبي ذَرٍّ الغفاري كان أبو ذَرّ الغفاري يقطع الطريق قبل الإسلام، وكان شديد الشجاعة، وعندما سمع بالإسلام، أتى إلى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة وكان نور الإسلام قد قُذِفَ في قلبه ويُشار إلى أنّه كان يتوجّه إلى الله -تعالى- بصلاته قبل الإسلام؛ فقد سأله عبدالله بن الصامت عن الإله الذي كان يعبده قبل الإسلام، فقال: إله السماء، أتوجّه حيث وجَّهني الله، وكان يُصلّي بذلك قبل إسلامه بأربع سنين
وقبل أن يذهب أبو ذَرٍّ إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان قد علم بأمره، فأرسل أخاه ليتأكّد من صحّة نبوّته، وقال له: (ارْكَبْ إلى هذا الوَادِي، فَاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرَّجُلِ) وعندما عاد إليه أخبره بأنَّ الرسول ما جاء إلّا ليُتمّمَ مكارم الأخلاق، إلّا أنَّ الإجابة التي جاء بها أخوه لم تَشفِ غليله؛ فذهب بنفسه إلى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الذي عَرضَ عليه الإسلام، فأسلم، فأمره أن يرجع إلى قومه، فقال: (ارْجِعْ إلى قَوْمِكَ، فأخْبِرْهُمْ حتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي) إلّا أنّه أبى الرجوع قبل أن يُعلنَ إسلامه أمام أهل قريش؛ فقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لأَصْرُخَنَّ بهَا بيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ).نطق أبو ذَرٍّ الغفاري الشهادتَين أمام قريش، فضربوه إلى أن أخبرهم العبّاس بأنّه من قبيلة غفار؛ فتركوه، ثمّ قام في اليوم الذي يليه وأعاد الكَرّة نفسها، وأخبرهم عن إسلامه إلى أن ضربوه، ثمّ أدركهَم العبّاس وأخبرهم بمثل ما أخبرهم به في الأمس، فتركوه، ويعد أبو ذرّ الغفاري من كبار الصحابة؛ فهو من السابقين إلى الإسلام حتى قِيل إنّه رابع من أسلم من المسلمين، وكان إسلامه في مكّة، ثمّ عاد إلى قومه، وأقام معهم إلى أن هاجر الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، فذهب إليها وكانت قد مضت غزوة بدر وأُحُد والخندق؛ فلم يشهد منهنّ شيئاً وكان أبو ذَرٍّ الغفاريّ مثالاً عمليّاً في الدعوة إلى الله -تعالى-؛ فقد ورد في الصحيح أنّه عندما أسلم دعا أخاه أُنيساً إلى الإسلام، ثمّ والدتَه، ثمّ نشر الدعوة في قبيلته؛ فقد قال -رضي الله عنه-: (فَاحْتَمَلْنَا حتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، فأسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ الغِفَارِيُّ، وَكانَ سَيِّدَهُمْ. وَقالَ نِصْفُهُمْ: إذَا قَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ أَسْلَمْنَا، فَقَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، فأسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي). صفات أبي ذَرٍّ الغفاريّ الصفات الخَلقية لأبي ذَرٍّ الغفاريّ كان أبو ذَرٍّ الغفاري رجلاً طويلاً ذا بُنية نحيفة، وقِيل إنّه كان جسيماً، وكان أسمر اللون، وأبيض الشَّعر واللحية، كما أنّ لحيته كانت. الصفات الخُلقيّة لأبي ذَرٍّ الغفاريّ اتّصف أبو ذَرّ الغفاري -رضي الله عنه- بغزارة عِلمه حتى أنَّه كان يُوازي عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- في عِلمه، وكان لا يخاف من قول الحقّ، كما كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المُنكَر وبالإضافة إلى أنّه كان معروفاً بصِدقه في قوله، وعمله؛ إذ قال فيه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما تُقِلُّ الغَبراءُ ولا تُظِلُّ الخضراءُ على ذي لهجةٍ أصدَقَ وأوفى مِن أبي ذرٍّ شبيهِ عيسى ابنِ مَريمَ) فقد كان يتّصف بالزُّهد، وعاهد نفسه على أن يحيا عليها إلى أن يلقى الله -تعالى-؛ فلم تأخذ الدُّنيا، وزخارفها حَيِّزاً من تفكيره وانشغاله، فكان يرى الإقبال على الدُّنيا مِحنة، والابتعاد عن مباهجها نِعمة. ويُشار إلى أنّه كان معروفاً بشجاعته، ومع ذلك قال له الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أبا ذَرٍّ، إنِّي أراكَ ضَعِيفًا، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ علَى اثْنَيْنِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يَتِيمٍ) ورأى أهل العلم أنّ هذا محمول على رحمة النّبي -عليه السلام- به ومحبّته له؛ إذ كان أبو ذرّ لا يُجيز ادّخار المال، وربما دفعه ذلك لإنفاق المال في أوجه الخير دون إدارة لأولويات إنفاقها. وقد كان للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الدور الكبير في تربيته؛ وذلك لقِدَم إسلامه -رضي الله عنه-، وكثرة مُلازمته للرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد علّمه -صلّى الله عليه وسلّم- كلّ ما أنزلَه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- عليه، كما علّمه ما يفعله المسلم دُبُرَ كلّ صلاة؛ ليُوازي أجرَ مَن أنفقَ مالَه في سبيل الله -تعالى-؛ فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (تُكبِّرُ اللهَ دبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ وتحمَدُه ثلاثًا وثلاثينَ وتُسبِّحُه ثلاثًا وثلاثينَ وتختِمُها بلا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ من مواقف أبي ذَرٍّ الغفاريّ تعدّدت تضحيات أبي ذَرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- في سبيل الله -تعالى-؛ فكان من أوائل الصحابة الذين جهروا بالقرآن الكريم في مكّة المُكرَّمة، كما أنّه شَهِد العديد من المشاهد مع الرسول -عليه الصلاة والسلام وكان من حَمَلة الراية يوم حُنين، وهو أوّل من ألقى على الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- تحيّةَ الإسلام؛ قال أبو ذرّ: (فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَن حَيَّاهُ بتَحِيَّةِ الإسْلَامِ، قالَ: فَقُلتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ اللهِ، فَقالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ) إضافة إلى أنَّه كان من الأحرار الذين خدموا الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أقوال أبي ذَرٍّ الغفاري تعدّدت الأقوال التي رُوِيَت عن أبي ذَرٍّ الغفاريّ، ومنها ما يأتي: قال في تَرك الدُّنيا، والانشغال بالعمل من أجل الآخرة: “يا أيّها الناس، إنّي بكم ناصح، إنّي عليكم شفيق، صلّوا في ظُلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدُّنيا لحَرّ يوم النشور، وتصدّقوا مَخافة يوم عسير لعظائم الأمور” قال في باب الزُّهد في الحياة الدُّنيا: “لَيْسَ الزهادة فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيم الْحَلَال وَلَا فِي إِضَاعَة المَال وَلَكِن الزهادة فِي الدُّنْيَا أَلا تكون بِمَا فِي يَديك أوثق مِنْك بِمَا فِي يَد الله وَأَن تكون فِي ثَوَاب الْمُصِيبَة إِذا أصبت بهَا أَرغب مِنْك فِيهَا لَو أَنَّهَا أبقيت لَك” قال في صاحب المال: “ذو الدِّرهمين يوم القيامة أشدُّ حسابًا من ذي الدرهم” وفاة أبي ذَرٍّ الغفاريّ كان أبو ذرّ الغفاري في آخر حياته مُعتزلاً الناس في منطقة تُسمّى (الربذة)، وعندما بدأت علامات الموت تظهر عليه بَكت امرأته، فسألها عن سبب بكائها، فأجابته بأنّها تبكي؛ لأنَّهما في مكانٍ خالٍ من الأرض، ولا يُوجَد لديها ثوب يَسَعه كَفَناً، فأخبرها ألّا تبكي، وأن تبشر بما وعده رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إيّاه؛ وذلك أنّه سيموت في أرض فلاة، إلّا أنّ جماعة من المؤمنين ستشهد ذلك، وأمرها أن تُراقب الطريق، فكانت زوجته تعتني به قليلاً، وتخرج إلى الطريق قليلاً، وبينما هي تبصر الطريق، أقبل بعض الناس، فأشارت إليهم، فأسرعوا إليها، وعندما علموا أنَّه صاحب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فَدَوه بآبائهم وأمّهاتهم، ولَمّا دخلوا عليه سلّموا عليه، فرحّب بهم، وأخبرهم بما سمعه من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وطلب منهم أن لا يُكفِّنه رجل منهم كان أميراً، أو عريفاً، أو بريداً، أو نقيباً، فكفَّنه أحد رجال الأنصار بثوبَين كانا معه، وبثوب من الذي عليه من اللباس، ودَفَنه الرجال الذين معه، ومنهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، وتجدر الإشارة إلى أنّ وفاته كانت سنة اثنتين وثلاثين.
أبو ذر الغفاري مشى وحيدا
ومات وحيدا..
لم يسجد لصنم قبل الإسلام
قال عنه الرسول ( صلى الله عليه وسلم): من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر