عادل عامر
إن مصر بعد الثلاثون من يونيه لعام 2013 ليست مصر التي تعرفونها قبل هذا التاريخ. إننا كشعب لا نقفز من الفرحة حينما يلوح أحمقكم الأكبر أوباما ببركاته لنا من أي نوع. إن القيادة في دولتنا متمثلة في الحكومة والمؤسسات ملتزمة بعلاقات مع كل دول العالم ويحكمها الدبلوماسية والسياسة الحكيمة والمصالح المشتركة ولا تحكمها العواطف. ونحن نثق في قياداتنا الحالية ولكننا كشعوب تتحكم فينا عواطفنا تجاه الحكومات وسياستها الخارجية التي أضرت بنا شعبا ودولة وامتنا العربية وليس الشعوب. نحن شعب صديق لكل شعوب الأرض طالما يبادلنا الاحترام ويحترم في الأساس إرادتنا الحرة ونعامل ونتعامل مع كل شعوب الأرض كما نحب أن يعاملوننا “باحترام”.
هل نتصف بالكمال؟ لا . هل نرتكب أخطاء؟ نعم. هل قضينا على الفساد ؟ لا لم نقضي عليه بعد بشكل نهائي . هل نستطيع القول الآن إننا دولة ديمقراطية ونطبق العدالة الاجتماعية والمواطنة بحذافيرها؟ لا ليس بعد ولكننا نحاول قدر جهدنا. هل نحتاج للكثير من الوقت للتغيير للأفضل؟ نعم نحتاج لوقت طويل. هل نستطيع ان ننهض ونتقدم بدولتنا في كل المجالات والقطاعات في نفس الوقت الذي نقع في مثلث الخطر محاطين بالمخاطر والفوضى والتهديدات من كل الجهات في أول مرة في تاريخ مصر؟
نعم نستطيع. لماذا؟ لأن سلاحنا الذي لا يهزم ولن يهزم هو وحدتنا وهو اغلي ما نملك. وهو السلاح الوحيد الذي يحاول أعدائنا محاربتنا من خلاله بكل شراسة وإصرار.أكثر ما يقلق ويغضب ويفزع أمريكا من السيسي، ليس اختياراته الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وإن كانت واشنطن تتخوف من احتمالات قد ترد في ما بعد، فالنهوض الاقتصادي لمصر، وحتى لو جرى بطريقة رأسمالية لا تراعي اعتبارات العدالة الاجتماعية، هذا النهوض في ذاته، مقلق لواشنطن، التي رسمت سياستها في مصر على أساس لا يخفى، وهو أن تبقى مصر على حافة غرق، أن تبقيها في وضع اختناق وشيك، أن تبقيها طافية على سطح مياه الغرق
فلا هي تنجو ولا هي تغرق، ولا هي تكف عن الاستغاثة وطلب المساعدة والمعونة، وتلك هي الحالة اللعينة التي تردت إليها مصر في زمن انحطاطها التاريخي الطويل، الذي كان مقرونا بهيمنة الأمريكيين على مصائرها، والتحكم في الجيش والاقتصاد المصري من خلال جهاز المعونة الأمريكية، وتضخيم وجود الأمريكيين المراقب والموجه لأحوال مصر، وبادعاء المعونة الضامنة لما يسمى معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وكلها سلاسل قيود تتعرض للتفكيك التدريجي الآن
فقد أظهر السيسي نوعا من اللامبالاة بتهديدات واشنطن، ولم يبد قلقا من تهديدات خفض أو قطع المعونة، وحول سلاح واشنطن إلى «قنبلة فشنك»، تشبه حرب القنابل التي توضع الآن في كل مكان بمصر، وبهدف ترويع وتدمير حياة المصريين، وقد تسقط قتلى وجرحى، لكنها تمد إرادة المصريين بذخيرة لا تنفد، وتزيد من التفافهم حول الخيار الوطني.. وبعد ثورة 30 يونيو، أظهرت “الجزيرة” وجهها “القذر”، حيث بثت شائعات، وروجت أكاذيب، من شأنها إشعال فتيل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وتآمرت “الجزيرة” على مصر وجيشها العظيم، محاولة لإسقاطه، واستكمال الأجندة الإخوانية، لإسقاط الدول، بأوامر سيدتهم الكبرى “أمريكا”، إلا أن الشعب المصري الأبي رفض ذلك، وأصر على استقلال وطنه.
عندما أصدر البرلمان الأوروبي بيانا يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ظهر خبير استراتيجي في التليفزيون ليؤكد أن أعضاء البرلمان الأوروبي جميعا عملاء للإخوان المسلمين يتقاضون مرتبات منتظمة منهم. خبير استراتيجي آخر ذهب بعيدا فحذر المصريين من حكومة خفية تسمى “المجلس الأعلى للعالم” حيث يجتمع ممثلو الدول الغربية الأشرار ويستعملون التكنولوجيا من أجل أحداث الزلازل والسيول وإثارة البراكين في الدول التي يتآمرون ضدها (ومصر أولها طبعا) . يستمر هذا الإلحاح على نظرية المؤامرة بينما في الواقع يتمتع نظام السيسي بعلاقات ممتازة مع إسرائيل والحكومات الغربية جميعا.
كيف نفسر هذا التناقض: في الخارج يوطد النظام المصري علاقاته بإسرائيل والدول الغربية وفي الداخل يتهمها بالتآمر ضد مصر. الحق أن نظرية المؤامرة سلاح لاغني عنه لأي نظام استبدادي لأنها تظهر الديكتاتور في صورة البطل المغوار الذي يحارب الأشرار المتربصين ببلاده ولأنها تدفع المواطنين للتغاضي عن أي أخطاء أو جرائم يرتكبها النظام وثالثا لأنها تحيل كل من يعارض الديكتاتور إلى خائن يجب إسكاته وقمعه. أزمات عديدة نشأت من سوء إدارة الدولة المصرية مثل ارتفاع سعر الدولار وكساد السياحة وغلاء الأسعار ونقص مياه الري، تم تفسيرها جميعا وفقا لنظرية المؤامرة مما أعفى النظام من مسئوليته عنها. خذ أيضاً الحملة التي تشنها صحف خاصة، مملوكة لبعض من رجال الأعمال الذين لديهم طموحات سياسية، وتحيط بهم شبهات التربح بطرق غير مشروعة، حيث تعمدت نشر موضوعات تحمل هجوماً على السودان، الذي تحسنت علاقاته مع مصر، ويقوم بدور مهم في عملية ضبط الحدود، ومنع تهريب الأسلحة والمجرمين، وساعد في ترطيب الأجواء مع أثيوبيا
لذلك فالهجوم المفاجئ على الرئيس عمر البشير من قبل كتاب معروفين بعلاقاتهم الوطيدة من رجال أعمال، ينطوي على رغبة في استفزاز الصحف السودانية للهجوم على الرئيس المصري. هذا التطويق وملامحه الخارجية، يريد أصحابه تخريب ما حدث من تحسن في علاقات مصر الإقليمية والدولية، خاصة أن سياسة الهجوم التي تتبناها القاهرة أحرزت نتائج جيدة مع دول مختلفة، بينها تركيا، التي اضطرت إلى تخفيف حدة لهجة التصعيد الذي درجت عليه ضد مصر، لأنها استشعرت أن القاهرة تملك الكثير من الأدوات المزعجة. بالطبع ليس هناك اتفاق أو تواطؤ بين المنهج الذي يسير عليه بعض رجال الأعمال، وجهات خارجية مثل تركيا، لكن الحصيلة التي يمكن أن يصل إليها هذا الطريق تفضي إلى مزيد من التصعيد في الداخل، ما يحقق لبعض الدوائر الخارجية أهدافها بارتياح، لأن الطرفين يريدان عرقلة الاتجاه الذي تسير فيه الحكومة المصرية، وفرملة ما حققته من نجاحات حتى الآن.
استمرار النجاح، سوف يؤدي لزيادة الثقة في النظام، الأمر الذي يقود إلى تطبيق القانون، وتحقيق الأهداف الرئيسية للثورة، خاصة في مجال العدالة الاجتماعية، وعدم التهاون مع كل من ارتكب تجاوزات في عصور سابقة أو حالية. الرسالة التي انطوى عليها مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي بشأن إمكانية الاعتماد على رجال أعمال عرب وأجانب، كانت بليغة ومؤثرة، حيث جعلت نظراءهم في مصر أشد قلقا، وفهموا منها أن الحكومة المصرية عازمة على قصقصة أجنحتهم بالتدريج، وهو ما جعلهم يختبرونها في توجيه طلب للحصول مساحات شاسعة من الأراضي في العاصمة الإدارية الجديدة، الأمر الذي قوبل بالرفض، ما جعل بعضهم أكثر تصميما على استهداف النظام الحاكم وأركانه الحيوية، وتوجيه تحذيرات مباشرة ومبطنة له من خلال ما يملكونه من وسائل إعلام متعددة. الحلقة بدأت تضيق، والمعركة اشتدت وبلغت حدا قارب على الانفجار، لأن الليونة والمرونة التي بدت عليها الحكومة المصرية، فهمها بعض رجال الأعمال على أنها عجز وفقدان للقدرة على المبادرة، بالتالي من المتوقع أن تشهد مصر قريبا سلسلة من الإجراءات ضد عدد من رجال الأعمال، ممن ارتكبوا تجاوزات معروفة، ولم يعاقبوا عليها حتى الآن.