كتبت / فاطمة حسن الجعفرى
فالذكر مغناطيس الوصل
” ألا بذكر الله تطمئن القلوب “
واعلم أنَّ لنا في قوله :
( ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب )
اسرار وطاقات مؤثرة فى منظومة الترقى
وهي من وجوه متعددة كما ذكرها العلماء والعارفين :
الوجه الأول : أنّ الموجودات على ثلاثة أقسام :
مؤثِّرٌ لا يتأثَّر ، ومتأثِّرٌ لا يؤثِّر ، وموجود يؤَثِّر في شيء ويتأثَّر عن شيء ،
– فالمؤثِّر الذي لا يتأثَّر هو الله سبحانه وتعالى ،
– والمتأثِّر الذي لا يؤثِّر هو الجسم ، فإنه ذاتٌ قابلة للصفات
المختلفة والآثار المتنافية ، وليس له خاصيةٌ إلا القبول فقط ،
– وأما الموجود الذي يؤثِّر تارةً ويتأثَّر أخرى ، فهي الموجودات الروحانية ؛
وذلك لأنها إذا توجَّهتْ إلى الحضرة الإلهية صارت قابلةً للآثار الفائضة
عن مشيئة الله تعالى وقدرته وتكوينه وإيجاده ، وإذا توجَّهتْ إلى عالم
الأجسام اشتاقت إلى التصرُّف فيها ، لأن عالم الأرواح مدبِّرٌ لعالم الأجسام.
وإذا عرفت هذا ، كما ذكره الامام الرازى :
فالقلب كلّما توجَّه إلى مطالعة عالم الأجسام حَصَل فيه الاضطراب
والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليها والتصرف فيها ،
أما إذا توجَّه القلب إلى مطالعة الحضرة الإلهية حَصَل ،
فيه أنوارُ الصمدية والأضواءُ الإلهية ، فهناك يكون ساكنا ،
فلهذا السبب قال : ( ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب ) .
الوجه الثاني : أن القلب كلّما وَصَل إلى شيء فإنه يطلب الانتقال ،
منه إلى حالة أخرى أشرفَ منها ؛ لأنه لا سعادة في عالم الأجسام ،
إلا وفوقها مرتبةٌ أخرى في اللذة والغبطة ،
أما إذا انتهى القلب والعقل إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأضواء
الصمدية بَقِي واستقرّ ، فلم يَقْدِرْ على الانتقال منه البتة
لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منها وأكمل ،
فلهذا المعنى قال ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .
والوجه الثالث : في تفسير هذا المعنى : أن الإكسير إذا وقعتْ منه
ذرةٌ على الجسم النُّحاسي انقلب ذهبًا باقيًا على كَرِّ الدهور والأزمان
صابرًا على الذَّوَبان الحاصلِ بالنار ، فإكسير جلال الله تعالى
إذا وقع في القلب أولى أن يَقْلِبَه جوهرا باقيا صافيا نُورانيا ،
لا يَقبل التغيُّر والتبدُّل ، فلهذا قال : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .