بقلم:السيد شلبي
أخترت هذا العنوان لما نراه من صراعات دائما ظاهرة وباطنة بين الناس وبين النفس وبين الضمير، ذلك الصراع هو جوهر الحياة البشرية وتميزها على سائر الحيوانات وأن كان هناك صراع نسمع ونعرفه دائما وهو صراع البقاء وهذا المصطلح يطلق في الغابات بين الحيوانات، وهو البقاء للأقوي ، ولكن الصراع الذي أود أن أتحدث عنه هو(صراع الحياة) صراع الخير والشر ، وإذا تتبعنا المعطيات القرآنية حول هذه المسألة وجدنا كتاب الله يمد الصراع إلى أبعد الأمداء طولاً وعرضاً وعمقاً، بالاتجاهين العمودى والأفقى ويغادر به محوره الأساسى التقابل المتضاد بين آدم والشيطان إلى آفاق أخرى تعطيه صورته الكاملة فيجعله على مستوى الكون والطبيعة متوغلا فى صميم تركيبهما، وعلى مستوى الإنسان والبشرية قائما فى مدى علاقاتهما جميعاً، فمنذ اللحظة الأولى لخلق آدم نري الصراع بينه وبين الشيطان، بين الخير والشر.
ويبقى نداء الله الدائم للبشرية فى سورة الأعراف آية 27«يَا بَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» محورا كبيرا يدور عليه الصراع والحركة والتقدم للأمام أو الرجوع للوراء، ورغم أن الله سبحانه وتعالى وهب بنى آدم قدرات العقل والروح والإرادة والعمل وعلمهم الأسماء كلها، فإنه لم يتركهم وحدهم فى تجربة صراعهم فى الأرض، وظل يمدّهم حينًا بعد حين، بتعاليم السماء وشرائعها العادلة وصراطها المستقيم الذى يحيل حركة البشرية فى العالم إلى حركة متقدمة أبدًا فى خط متوازن صاعد لا رجوع فيها إلى وراء قال تعالى فى سورة طه 123 – 124: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ).
وجاء في قصص تراث الهنود الحمر أن حكيما مسنا جلس ذات ليلة باردة مع حفيده أمام موقد حطب طلبا للتدفئة من برودة ليلة شتوية قارسة، وتسامرا كعادة الجد مع حفيده، فقال الجد: سوف أخبرك الليلة يا بني عن حقيقة من حقائق الحياة. إن هناك صراعا داخليا يا بني لدى كل إنسان منا! إنه صراع عنيف وقوي بين ذئبين: أحدهما شرير مفترس؛ ذلك هو ذئب الغضب والحسد، والغيرةِ والجشع، والغرور والكذب والخداع والكبر، والآخر ذئب مسالم ووديع؛ هو ذئب السعادة والسلام، والحبِ والتسامح، والأمل والتواضع، والعطف والكرم والصدق، لكنه في المقابل عدو لَدود للذِّئب الشرير، وهذا الصراع الدائر بين هذين الذئبين موجود لدى كل الناس.. صمت الحفيد برهةً من الزمن ثم سأل: وأي الذِّئبين يا جدِي سيَنتصر عندما يتصارعان؟.. نظر إليه جده الحكيم، وقال له سوف ينتصِر يا بني الذِّئبُ الذي نطعمه أكثر، فإن كنت تغذِّي ذئب الخير بالحلم والأناة، والصدق والتسامح وحب الخير للآخرين، وغيرها من الصفات الحميدة، فإنَ هذا الذِّئب سوف يقوى وستكون له الغلبة عند النزال، وبالتالي سيعم الخير والحب والإيثار بين الناس، أما إن كنت ممَن يغذي ذئب الشر بالحقد والخداع، والكذب والنميمة والكبرِ، وغير ذلك من صفات الشر، فإنَ غلبة الصراع ستكون بلا شك لهذا الذئب الشرير، وعندها سوف تنشأُ الصراعاتُ والأثرة، ويندر التعاون بين الناس .
وسيظل الصراع قائم في هذه الحياة بين الخير والشر إلي يوم الدين، والرابح من يراقب نفسه وتصرفاته ، وهو ما يعرف ب(النفس اللوامة) التي تلوم عند التقصير وتحاسب عند الإخلال بالتكاليف والواجبات الشرعية أو عند الوقوع في الأخطاء والمعاصي، وهي من أفضل الأنفس عند الله لأنها تعمل كرقيب على الإنسان حتى لا يقع في المعاصي وتلوم صاحبها وتشعره بالذنب عندما يخرج عن دائرة الصواب إلى دائرة الانحراف وتعتبر بمثابة الناهي عن الخطأ والمرشد إلى الصواب، وهي التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى في سورة القيامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة) *الآيتان 1 – 2*، فعلينا أن نهذب أنفسنا، ونغذيها بالحلم والأناة، والصدق والصبر والسامح وحب الخير للأخرين، وغيرها من الصفات الحميدة .
وفي الختام أقول هل آن الأوان ليعيد كل واحد منا، صالحا وفاسدا ، حاكما ومحكوما، حساباته، وهو يقول إلى أى الفريقين أنتمي الخير أم الشر؟.
قال تعالي:(ِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)الآية (3) سورة الأنسان.