في كل مرحلة حياتية ، تتشكل لدي المرء مجموعة من الأحلام، يسعي لتحقيقها، وينتظر اليوم الذي يشعر فيه أن غايته قد تحققت، الطفل علي سبيل المثال منذ نمو الوعي الإدراكي لديه، تجده يرسم في خياله صورة لمستقبله، أو تتكون لديه أحلام تتوافق مع المرحلة العمرية التي يمر بها، قد يكون الحلم في الحصول علي لعبة معينة، أو الذهاب إلي مكان يتمناه، وقد يكون الحلم في وظيفة مستقبلية كطبيب أو مهندس أو عالِم أو غيرها.
وتمر كل مرحلة عمرية ، وتجد نفسك دائماً مع نهاية المرحلة تٌقَيِّم ما تم تحقيقه من أحلام، فتفرح لما أنجزته، وقد تتألم عند الوصول إليه إذا كان طريقك قد كان محفوف بالصعوبات، وإذا لم تحظي بتحقيق حلمك، تجد روحك تلقائياً تفتح بوابة الأماني لتٌعَلِق حُلمك من جديد علي شماعة الأحلام وتحاول الوصول إليه مرة أخري في مرحلة عمرية مختلفة، وقد تصطدم بالواقع المؤلم فيحدث لك ما لم تكن تتوقعه من إبتلاءات، تُصِيبُك بالعجز في تحقيق حلمك، فتظل تفتح الأبواب من جديد لتُطِل علي حلمك طلة تحمل كل معاني الألم والأسي ، ثم تُغلق أبواب الأمنيات بعد أن تُعيد تَعليق الحلم المنشود علي شماعة الأحلام، ولكن هذه المرة ليست لمعاودة الكرة، إنما فقط لتتحسر عليه كلما ضاقت عليك الأيام.
وقد تحتاج مع الوقت لإعادة النظر في صندوق الأماني، فتلغي البعض وتنسج أحلاماً أخري تتواكب مع مرحلة حياتك، وتظل هكذا تُعِلِق الأحلام، فتتحقق أو تعود من جديد لتُعَلَق علي الشماعة، وأنت في صراع نفسي بين تقبل الواقع، والتمسك بالحلم، والغريب في الموضوع، أن الأحلام قد تأخذ مساراً مختلفاً تأخذك له الأيام لم يكن في مخططات حياتك السابقة، قد تحلم علي سبيل المثال بدخول كلية معينة لامتهان مهنة تهواها، ثم تجد نفسك تتجه للعمل في مجال آخر بعيد كل البعد عن أحلامك السابقة، ومن ثَم يبدأ نسيج جديد للأحلام يتوافق مع الطريق الجديد.
وتعاد الكرة والنتيجة يوم لك ويوم عليك، وقد تكون من المحظوظين فتكون كل الأيام لك، وقد تكون من المتعوسين فتكون كل الأيام عليك، وقد تكون من نوع آخر من يحيا حياته علي التشويق دون الوصول إلي شئ حقيقي، فتأتي أمامك الفرصة، ويبهرك بريقها، وسرعان ما تجد نفسك تلهث وتتعب لتحقق مبتغاك وإذا بك تجد تلك الفرصة قد طرقت باباك من باب التشويق فقط، ثم تأخذها الرياح وتتركك وحيداً بائساً غير مدرك لما يحدث، فتنهار وتسود الأيام، وتتساقط الأحلام من حولك ، وتتركك في حالة من البؤس وعدم الرغبة في الحياة.
وهناك بعض الأحلام المستحيلة التي تدمر الروح كالتمسك بحب مستحيل، أو صياغة الحياة من جديد وإصلاح بعض الأشخاص المستحيل إصلاحهم، ومع الوقت تصاب بفقدان الأمل والحلم، فتنغلق علي نفسك أو تصل لمرحلة الانحراف إنتقاماً من مقدرات الحياة.
الجميع يغفل عن الحكمة الإلهية في إبتلاءات الحياة، وهي عدم التعلق بالأمنيات، والتسليم المتناهي لإرادة المولي عز وجل، مع حسن إختيار الطريق، فالحياة تتيح لك الإختيار والتمني، ثم تبتليك في إختيارك، وتُصيبك في أمنياتك، إما بتحقيقها،أو بإستحالة تحقيقها، ويراقب القدر بكل دقة ردود أفعالك، هل تصبر أم تبتأس وتنقم علي الحياة، ولا يكون أمامك سوي أن ترضي بالمكتوب وتبحث عن حلم جديد أو أن تتمرد علي الحياة، وتنهار وتَفْسد محاولاً تحدي القدر.
للحياة دليل للإستخدام، إذا أحسنت إستخدامه نجحت، وإذا تحديت القدر لن تصل إلي شئ سوي الحزن والكآبة، مهما كانت الأمنيات والأحلام ، ومهما تعلق قلبك بها، ضع لنفسك خط رجعة، وفكر في كل الإحتمالات وتقبلها، إذا تحقق الحلم فأحمد المولي عز وجل واشكره وحاول أن تحافظ عليه، وإذا لم يتحقق وانْتُزِع منك، وتألمت لفراقه، فابحث عن حلم جديد، مازال الوقت أمامك مهما كان عمرك، لا تبكي علي الأطلال، ولا تلهث وراء المستحيل، تحدي الحياة قبل أن تحطمك، وأرضي بما قسمه الله لك، واصنع لنفسك حياة تنسجها بمزيج من السعادة والرضا.
فإذا كنت من البؤساء، وسجين لمرض أو لفقر أو لقلة حيلة ، فعليك بالدعاء والصبر فالدنيا إلي زوال مهما طالت، فالبعض منا له نصيب واسع في الدنيا، والبعض خُلِقَ ليشهد علي الآخرين، ويعلمهم الصبر والتحمل فيكون من أهل الآخرة وماهو في الدنيا إلا عابر سبيل، يأتي ويرحل دون أن يشعر بلذاتها، ويعود من حيث أتي ليحيا الحياة الأبدية الحقيقية.والبعض الآخر يأتي في الدنيا ليُشْعِل وقودها، ويفتح لغيره أبواب الجحيم فتنتهي الدنيا ويكون من أهل النار.