شذرات من سيرة المصطفي الشذية الندية
في ذكري مولده
بقلم جمال شعبان
من ظلمات كوخ متواضع وغار مخيف في جرداء مكة بزغ النور الإنساني الذي أضاء جنبات الأرض وملأها عدلا بعد أن طفحت ظلما وجورا…. صلي عليك الله يا علم الهدي !!
!
يتيم الأب يتيم الأم ينشأ محروما من حنان الأبوين لولا جده الذي احتضنه وعمه الذي آواه لكان شريدا وحيدا.. ومع ذلك غداً شلال حنان وينبوع رحمات شمل البشرية كلها..أمي لا يقرأ من كتاب ولا يخطه بيمينه ومع ذلك أصبح أستاذ الأساتذة ومنهل الحضارات ومرجعية الشريعة وأيقونة التوحيد… صلوات الله عليك يا أبا القاسم يوم ولدت!!
هذا اليتيم الفقير راعي الشاة
أصبح أيقونة القيم الرفيعة
ومدرسة للإنسانية في مكارم الأخلاق
حتي تم تصنيفه علي قمة أعظم عظماء البشر… وجعل من الحفاة العراة عبدة الأصنام نجوما في سماء الهدي ونماذج إنسانية تحتذي مثل الفاروق والصديق وأبي الحسنين…. صلي عليك الله يا محمد .. ما هبت النسائم وما ناحت علي الأيك الحمائم !!
ومن مشاهد سيرته العطرة أكاد أري مرضعته حليمة السعدية التي جاءت من البادية مع قافلة من المرضعات اللائي فزن بأبناء أثرياء مكة .. أما حليمة فقد وصلت متأخرة علي ناقة عجفاء ضامرة هزيلة فلم يتبق لها سوي اليتيم الفقير الذي عزف صواحبتها عنه فتوافق علي مضض… فإذا البركات تنهمر عليها وتنشط ناقتها فتسبق كل النوق في ركب العودة وإذا واديها المجدب يصبح خصيبا… بركاتك يا سيدي يا رسول الله منذ كنت رضيعا في المهد
حيث حللت وأني ارتحلت !!
ولما بلغ مرحلة الصبا اعتاد عمه أن يأخذه معه في رحلة الشتاء والصيف لكي يشتد عوده وليتقن فنون التجارة… فكانت تظلله الغمامة وتحميه من غائلة الشمس ولفح الهجير… مظلة طبيعية خاصة للبشير… صلوات الله عليك يا أيها المصطفي !!
وأكاد أراك يا أيها الصادق الأمين وأنت تبسط رداءك لتضع عليه الحجر الأسود لتنزع فتيل الأزمة في مكة بعد أن دقت طبول الحرب وسلت أسياف وجهاء القبائل لنيل شرف حمل الحجر الأسود فتجعل من الرداء الذي مس جسدك الطاهر حلا ديلوماسيا ومنطقيا هادئا يحقن دماء أوشكت أن تسفك …حيث يشترك الجميع في حمل الحجر ملفوفا بردائك… يا لرجاحة عقلك يا نبي السلام يا رسول المرحمة !!
وأكاد أراك يا سيدي يا رسول الله راجعا من الغار مرتجفا مرتعدا تطلب من رفيقة دربك خديجة رضوان الله عليها التدثير والتزميل والغطاء المادي والمعنوي بعد أن تراءي لك جبريل جسيما عظيما وألقي عليك وحيا ثقيلا و تدشين مرحلة جديدة انقلابية في تاريخك وتاريخ الإنسانية كافة عنوانها : اقرأ وليس اقتل وليس احرق وليس دمر وليس سيطر علي سدة الحكم.. ليت قومي يقرأون وإذا قرأوا يفهمون.. وإذا فهموا يعملون !!
مشهد في السيرة يجعلني علي حافة البكاء يوم أن ذهب إلي أهل الطائف يبلغهم رسالة السماء فأهانوه وأثخنوه جراحا وعاد حزينا شاخصا ببصره الي السماء يشكو ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه علي الناس ويستلهم الطاقة من الملأ الأعلي مناجيا ربه : إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي … أبكيتني يا أبا القاسم !!
وكذلك يوم فاضت روح طفله الوحيد وفلذة كبده إلي بارئها فحزن قلبه ودمعت عينه لكنه لم يقل ما يغضب ربه… حتي لما حدث كسوف للشمس يوم وفاة ابنه… وأشاع عامة الناس أن السماءتشارك النبي أحزانه لم يركب الموجة ولم يدع البطولة ولم يفتخر بل خرج عليهم في تواضع العظيم وعظمة المتواضع وقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تحتجبان لموت أحد..
حتي لو كان هذا الأحد الابن الوحيد لحبيب السماء
الله علي تواضعك وعظمتك يا حبيب السماء!!