إعداد/ محمد مامون ليله
الخلوة
قال شيخنا المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
التخلي في اللغة: المكان الخلاء الذي لا شيء به.
أصل الخلوة في الشرع الحديث القدسي:
“من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي. ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم” (أخرجه البخاري ومسلم) فهذا حديث إلهي صحيح يتضمن الخلوة والجلوة.
والتخلي عند القوم: اختيار الخلوة والإعراض عن كل ما يشغل عن الحق طلب التجلي.
فالسالك توجب عليه المجاهدة والرياضة في العزلة قبل الخلوة؛ حتى تصير ذلك طبعا وعادة، ولا تحس النفس به كما لا تحس بالعادات ؛ فتدخل الخلوة عقيب ذلك، مستريحا نشيطا طيب النفس فارغا من المجاهدة خال المحل من المكابدة مهيأ مفرغا للذكر.
والخلوة تتحدد على حسب حال طالبها، ومكانها، وزمانها، فإن فراغ القلوب من الأكوان ليس على مرتبة واحدة عند كل شخص، فقد يفتح لشخص في يومين عين ما يفتح لآخر في شهرين، ولآخر في سنتين، ولا يفتح لآخر أبدا، فمتى حصل لصاحب الخلوة من تهيئة القلب بقطع علائق الأكوان استغنى عن الخلوة وصارت خلوته جلوته، ولكن بعض الأكابر يدخلون الخلوة لمزيد علم بالله، لا من نظره، وفكره، وهذا أتم المقاصد، فإنه مأمور بذلك والعمل على الأمر الإلهي هو غاية كمال العمل والله يقول له {قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [سورة طه: ١١٤]
وللخلوة شروط منها كما يلي:
أن صاحب الخلوة إن قدر أن لا يخبر أحدا أنه في خلوة فهذا أفضل.
البيت المخصوص للخلوة يجب أن يكون ارتفاعه قدر قامته، وطوله قدر سجوده، وعرضه قدر جلسته، ولا يكون فيه ثقب ولا كوة أصلا، ولا يدخل عليك ضوء رأسا، ويكون بعيدا من أصوات الناس، ويكون بابه قصيرا وثيقا في غلقه، وليكن في دار معمورة فيها ناس، وأن يمكن أن يبيت احد بقرب باب الخلوة فهو احسن.
وأن يكون الذكر في الخلوة ذكرا نفسيا لا ذكرا لفظيا، فأول خلوته الذكر الخيالي وهو تصور لفظة الذكر من كونه مركبا من حروف رقمية ولفظية، ويمسكها الخيال سمعا أو رؤية، فيذكر بها من غير أن يرتقي إلى الذكر المعنوي الذي لا صورة له؛ وهو ذكر القلب.
وأن لا يتحدث في خلوته في نفسه بشيء غير الذكر.
وأن لا يدخل على صاحب الخلوة فكر أو أعمال نظر.
وأن لا ينتظر واردا، ولا صورة، ولا شهودا، وإنما يطلب علما بربه.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.