بقلم/ وليد .ع .العايش
كانت الغنيمة كبيرة جدا هذه الليلة ، لم يتركا شيئا له قيمة إلا واقتاداه بجعبتهما الكبيرة ، ومالبثا أن بدأا بحث السير في تلك الطريق الترابية المبللة ببعض من مطر يبكي ماخلفه اللصان بعد مغادرتهما .
الظلمة أشد وطأة من أي ليلة سابقة ، هل لأنها كانونية !!! أم أن السماء زادتها اسودادا …
أطفال خمسة في زاوية يذرفون آخر ما في مآقيهم من دموع باردة ، بينما الزوجة مازالت ترتعش خوفا ، الرجل الملتحي كان يداعب شعر لحيته المكتظ كما أحد أفران المدينة ، نظراته لاتشبه إلا سيفا من زمن الحروب الجاهلية …
– شكوتهم إلى الله … سرقوا كل شيء ، ماذا سنأكل غدا ، لعنة الله على كل نذل …
– لم يسرقوا شيئا يا امراة ، انظري حولك ، لم يسرقوا شيئا …
ابتسم وهو مازال يلهو بشعيرات لحيته ( المبندقة ) ، رمى بعقب سيجارته نحو الأطفال …
– ما بالكم … اضحكوا … العبوا … لا تخشوهم ، إني هنا مازلت لكم ، ألا يكفيكم هذا …
قهقه هذه المرة حتى بدت نواجذه ، قفز أحد الأطفال إلى حجره ، احتضنه بشدة …
– سرقوا لعبتي الجديدة يا أبي .
– لا تخف يا بني ، سوف تعود لوحدها …
– لكنها لا تعرف الطريق يا أبي .
– بل تعرفه ، تعرفه جيدا ياولدي .
مسح على رأس الطفل ، لثم جبينه الأسمر الذي يشبه سنابل قمح لم تبلغ سن اليأس .
التحف وشاحه المرقط بالأبيض والأسود ، أخفى سكينا في جيب معطفه قبل أن يفتح باب البيت .
– أين تذهب يارجل … كيف تتركنا لوحدنا في هذا الليل …
صرخت المرأة ، بينما تجمهر الأطفال الخمسة حولها ، رمقها بنظرة اخترقت جبلا من السنوات العشرين التي جمعتهما تحت سقف واحد ، انتشل ذاكرته من بئر غائر ، جميلة جدا كانت تلك الأيام ، كانا ينامان تحت السماء بلا خوف ، أشاح بعينيه عن كتلة اللحم التي توحدت بجسد واحد للتو ، أغلق الباب خلفه بهدوء دون أن ينبس بكلمة .
كان المطر وابلا ، الوحل يعرقل القدمين ، لا درب آخر يمكن سلوكه في هذا الليل ، الآن فقط أخرج بندقية من تحت عباءته السوداء ، بدأت أنوار البيت تسافر عبر زوارق المطر المنهمر ، وقهقهات الريح الآتية من جهة غربية ، توقف فجأة عن التنفس ، ترك العنان لأذنيه …
– هذه لي ، هكذا اتفقنا …
– لا إنها من حقي ، أنا من وجدتها في خزانة المرأة ، خذ هذه بدلا منها .
– لن تأخذها ، فقد وعدت صديقتي بهدية كهذه …
– ليس بوسعك إلا أن تأخذها عنوة …
– سآخذها ولو بالقوة .
انتهى الكلام وساد الصمت لحظات ، لم يتبق إلا صرير الريح ، طرقت مسمعه آنات خافتة مالبثت أن توارت فجأة ، أدار ظهره وكر عائدا من حيث أتى تاركا خلفه السر الذي جاء به إلى هذا المكان .
عندما أطلق الفجر رصاصته الأولى ، كانت الأسرة تتجمهر حول جثة هامدة بالقرب من باب المنزل .
التقط الطفل لعبته بشغف وشوق ، ابتسم الرجل الملتحي ببراءة الأطفال هذه المرة .
( ألم أخبرك بأنها تعرف الطريق يا بني ) …
أطلق سراح رصاصة سهرت معه طيلة تلك الليلة ..