بقلم د. إيمان يسري
في ظل ظروف اقتصادية شديدة القسوة على العالم أجمع وأوضاع سياسية مبهمة وغامضة، وتوقعات دائمة بزيادة سوء الأحوال والأوضاع حول العالم، بالإضافة لإرشادات كثيرة بترشيد الاستهلاك وتقليل النفقات في الوجبات والعزومات والحفلات، وغيره.
يأتي شهر رمضان المعظم، شهر الرحمة والخير والبركات في كل شيء، ليكسر كل القواعد، ويجبر كسر قلوبنا ويظهر ما بداخل العباد من حب الخير من خلال مشاعر طيبة وصادقة، ويفاجئنا كالعادة بزيادة الخير ومطابخ الخير والإطعام وتوزيع وجبات السحور والإفطار على غير القادرين والوافدين وتجمع شعب مصر من المسلمين والمسيحين على موائد إفطار كبير وضخمة بعدة أحياء شعبية وراقية، بالإضافة لموائد الإفطار التي لا تفرق بين الغني والفقير أو المسلم والمسيحي التي تجوب جميع محافظات مصر.
وهو بالأمر الخاص جدا في بلدنا الحبيب الغالي مصر، هذه المشاهد ربما لا تراها أبدا إلا في مصر، وكما هو متعارف عليه ويقول الجميع “رمضان في مصر حاجة تانية”
وهي ليست شعارات نرددها ولكنها حقيقة مؤكدة وواضحة لجميع المواطنين المقيمين في مصر أو الوافدين من محافظات أخرى، الجميع يؤكد أن رمضان مصر له رائحة مميزة وله صوت مميز يختلف على باقي البلدان ويختلف أيضا عن باقي شهور السنة.
رائحة رمضان
اعتاد أجدادنا على قول لكل زمن رائحة تميزه عن غيره من الأزمنة، وكذلك هو شهر رمضان الكريم، شهر رمضان له دائما رائحة مميزة تفرقه وتميزه عن غيره من باقي شهور السنة.
ولا تتمثل رائحة الشهر الكريم فقط في رائحة الطعام المختلفة، ولكنها رائحة بالمعنى الأعمق؛ رائحة الحنين للذين توفاهم الله ونفتقدهم على مائدة أول يوم إفطار أو سحور، رائحة العزومات والتجمعات التي نفتقدها من رمضان إلى رمضان، رائحة الدفء في المنازل والتجمع على وجبتين أساسيتين هما الإفطار والسحور –وهذه الأنواع من التجمعات غالبا لا تحدث في باقي أيام العام لإنشغال جميع أفراد الأسرة والعائلة بالسعي والعمل-
صوت رمضان
لكل وقت صوت، ولشهر رمضان صوت يتلألأ في ظلام الليل وهو صوت المسحراتي الذي يجوب الشوارع في مختلف المناطق الشعبية والأحياء الراقية بأشكال مختلفة.
في عموم أوقات العام يكون صوت الليل هادئ وصامت، ولا يجفي النوم إلا العاشقين، أما في شهر رمضان الكريم، فالجميع عاشقون ساهرون في ليالي رمضانية سعيدة بين تأدية العبادات أو تجمعات الحفلات بالخيم الرمضانية. كما يصحو كل أفراد الأسرة من أجل تناول وجبة السحور معا على صوت المسحراتي الذي ينادي كل فرد بأسمه! وهذا لن تجده أبدا إلا في مصر.
من أجمل المشاهد التي يمكن أن تراها في شهر رمضان، أكبر مائدة رحمان لتقديم وجبه الإفطار والسحور في ساحة الأزهر الشريف، الذي هو منبر العلم والدين في الوطن العربي أجمع. بالإضافة لتجمعات الإفطار التي تقيمها الكنائس المصرية ليجتمع عليها كافة أطياف الشعب المصري جنب إلى جنب مسلم ومسيحي لتناول وجبة الإفطار معا.
ومن الغريب أيضا أن غالبية الأخوة المسيحيين في مصر يصومون من الفجر إلى المغرب أسوة بالأخوة المسلمين ومراعاة لشعورهم حتى لا يتناولون وجبة طعام أمام شخص مسلم صائم وهم لا يعرفوه! وهذا أيضا لن تجده أبدا إلا في مصر.
ومن المشاهد الرائعة حقا؛ توزيع العصير والتمر في جميع شوارع مصر على الصائمين في وسائل المواصلات والسيارات الخاصة. فإذا كنت في طريقك للمنزل وتأخرت قليلا حيث حان وقت أذان المغرب (أي وقت الإفطار) -فلا تقلق أبدا- لأنك ستجد في طريقك الكثير من شباب المسلميين والمسيحيين يتهافتون –بل ويعترضون طريقك- لتقديم التمر والعصير والوجبات المختلفة لك مجانا وبدون مقابل!
أما بصفة شخصية فإن شهر رمضان الكريم بالنسبة لي هو عبارة عن شهر الراحة النفسية والوحدة الذاتية والتفكر في نعم الله التي لا نحصاها أبدا وربما لم نتمكن من تذوق لذة الشعور بها وشكر الله عليها في أيامنا العادية.
شهر رمضان أيامه ولياليه ليست بالعادية بالنسبة لي، لشهر رمضان شعور أخر، شعور بالصبر وبمعية الله ورؤية الله لك في كل لحظة. فعلى سبيل المثال: يراودنا جميعا التعب من عبادة الصيام وعدم المقدرة على تحمل الجوع والعطش وربما نكون بمفردنا ونفكر في أن نشرب ماء ليروي ظمأنا أو نأكل شيئا خفيفيا ليسد رغبتنا في الجوع، ولكننا لا نفعل ذلك أبدا لأننا نشعر برؤية الله لنا في هذه اللحظة، ونستشعر قيمة الحرام واتطلاع الله علينا في كل أحولنا. وهكذا يكون شعورنا عند التفكير في ارتكاب أي معصية أو خطيئة تغضب الله.
لذلك فإن شهر رمضان ليس فقط شهر نصوم فيه ونعبد الله – فيمكن لنا أن نصوم ونعبد الله في كل وقت وحين- ولكن شهر رمضان يعلمنا رقة القلوب ويزيد من شعورنا بمعية الله ويضيئ بداخلنا شعور يحث أرواحنا على زيادة فعل الطاعات وينهانا عن ارتكاب المعاصي مهما كانت صغيرة أو معتادة بالنسبة لنا.
وفي الختام نسأل الله التوفيق والسداد في كل أمور حياتنا
وكل رمضان ومشاعركم الطيبة بخير