مؤلفات برنارد لويس حول العالم العربي الإسلامي تثير الجدل، بما تتضمنه من أفكار وتصورات تحولت إلى مرجعيات بالنسبة لسياسات أمريكا تجاه المنطقة. في كتابه «الإيمان والقوة…الدين والسياسة في الشرق الأوسط»، الذي صدر بالإنجليزية في 2010 يشير برنارد مثلا منذ البداية إلى أن مفهوم الدولة تأسس من خلال نشأة الديانة المسيحية، حسب مقولة السيد المسيح بإعطاء «ما لقيصر لقيصر وما لله لله».
هنا تبدو كل من السلطة المتمايزة عن الأخرى، والتلازم المزمن بينهما، سواء في حالة صراع أو جوار. أما في الإسلام فلم يكن هذا المبدأ له معنى بالأساس، فالتواجد بين المؤسستين حديثاً أصبح من الصعوبة الفصل بينهما، رغم مظاهر هذا الفصل، فالواقع والممارسات الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية لا توحي بالتفريق بين الدين والدولة. ويعقد لويس مقارنته ما بين الإسلام والمسيحية، فقد أسس رسول الإسلام الدولة خلال حياته، وفعل ما يفعله رجال الدولة، فقاد الجيوش وشن الحرب، وعقد المعاهدات وجمع الضرائب/الصدقات، وأقام العدل وهكذا، بينما في حالة المسيحية، فالذاكرة تحوي قروناً من الاضطهاد والاستشهاد، إنتهاء بالاستيلاء على الدولة.
فالذكريات الإسلامية تحوي تطابقاً تاماً بين الإيمان والقوة خلال حياة المؤسس.ينتقل إلى مناقشة فكرة الديمقراطية ومفهومها في العالم العربي، وهل تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي أم لا. فينفي عن تلك الدولة التي نشأت في كنف الدين مبدأ الطبقية، ومُسمى السلطات الزمنية. فلا فضل لأحد إلا بالتقوى، ولكن يظل دوماً الفارق ما بين التعاليم والنصوص وما بين الوقائع، فبداية من الخليفة وأمير المؤمنين وصولاً إلى جلالة الملك والأمير والسيد الرئيس، لم تغير الأمر إلا بتغير المُسميات فقط، وما شهده التاريخ من حالات تحققت العدالة والمساواة خلالها، تبدو قاصرة على طبيعة الشخصيات الحاكمة، دون أدنى استناد إلى فكرة أو قواعد قانونية أو أعراف تنتظم من خلالها طريقة عمل وأداء السلطة الحاكمة.
ويذكر لويس مفهومه لطبيعة نظم المنطقة السياسية، ويصفها بأنها «الديكتاتوريات الشرق أوسطية»، التي تحتاج دوماً إلى الحروب من أجل تبرير وجودها واستمرارها. لكن المؤلف لا يذكر كيفية نشوء وتعاظم دور هذه الديكتاتوريات وقمعها لشعوبها، وكيف ساعد الغرب هذه الأنظمة. غير أن في المقابل يؤكد إيمانه بديمقراطيات الغرب وضرورة مساعدة هذه الدول الموبوءة بالتسلط حتى تتنفس نسائم الديمقراطية,وفي الأخير يطرح تساؤلاته حول إمكانية تحرير هذه الشعوب، وهل من الممكن نقل الحرية الغربية إليها؟
ورغم اعتراف برنارد لويس بالوضع الشائك والمضطرب الآن، لأن هذه الحرية المستوردة محفوفة بمخاطر عدة، فهناك الشعور المتأصل بمعاداة الغرب، لأنه مؤيد للنظم الديكتاتورية الشرقية، ويشير مثلا إلى المفارقة في تأييد الشعوب لأمريكا في حال معاداة نظامها السياسي وردا على هذا المستشرق
لقد امرنا الله بل الشورى مصداقًا لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159].الشورى أصلاً من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي، بل امتدَّت لتشمل كل أمور المسلمين؛ وتأسيسًا على ذلك فإن الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في ضرورة موافقة الجماعة على اختيار مَنْ يقوم بولاية أمورها ورعاية مصالحها وتدبير شئونها؛ ممَّا يؤكِّد قيمة وفاعلية الإجماع,الشورى من الأمور الضرورية الملحة التي يفرضها الإسلام على ولاة الأمور، ويمكن القول: إنها من أهم المظاهر الحضارية التي أسهم المسلمون في إيجادها وإرسائها في المجتمع الإسلامي، وتأثر بها الآخرون، خاصة في أوربا منذ القرن الثالث عشر الميلادي، ولذلك كانت الشورى نوعًا من التعبير عن الإرادة الإلهية.
استنادًا إلى ما يقوله الرسول : “إِنَّ أُمَّتِي لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ..نظام الشورى الإسلامي يختلف كثيرًا عن النظم الديمقراطية الوضعية، فالديمقراطية التي تعتبر حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة، وحتى يتمكن الشعب من مباشرة سلطة التشريع، ووضع القوانين، والفصل بين السلطات، يتم اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة، والتي ينتج عنها اختيار مجموعة من الأفراد، يكونون قادرين على مراقبة سائر السلطات،امانظام الشورى الإسلامي يختلف عن هذا التصور؛ فالشورى في الإسلام تقوم على حقيقةٍ، مفادها أن الحكم هو حكم الله المنزَّل بواسطة الوحي على رسول الله ، الذي يُعدُّ الالتزامُ به أساس الإيمان، والعلماء هم أهل الحلِّ والعقد، وهم على رأس رجال الشورى، وليس للعلماء مع حكم الله في إطار الشورى إلا الاجتهاد في ثبوت النصِّ، ودقَّة الفهم،فإننا لن نستطيع أن نستقصي كل ما أتت به هذه الحضارة الإسلامية العريقة، وكفى ما مرَّ بنا دليلاً على رُقي وعِظم حضارتنا.
تُعرَّف الشورى بأنها طلب الرأي ممن هو أهل له، أو هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها.
وعليه فقد اتخذ المسلمون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وعليها قام ترشيح العدول من المسلمين لمن يرونه أهلاً للقوَّة والإمامة لتولِّي أمرهم؛ ومما يؤكِّد ذلك ويؤصِّله أن الرسول لم يترك نصًّا مكتوبًا ولم يستخلف أحدًا ليتولَّى إمامة المسلمين، وإنما ترك الأمر شورى بينهم، وقد روى أبو وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب ألا تستخلف علينا؟ قال: “ما استخلف رسول الله فأستخلف، ولكن إن يُرِدِ اللهُ بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم.الشُّورى الإسلاميَّة تجنِّب الأمَّة نزعات الاستِبْداد الفرْدي عند الحاكم، كما أنَّها تقي المجتمع من آراء اصحاب المنافع الخاصة.كماتخلو الشُّورى الإسلاميَّة من مساوئ النُّظُم الديمقراطيَّة، فهي لا تعرِف الحزبيَّة التي يمقُتُها الإسلام.
ويذكر إنه قد أخرت ترجمته إلى العربية إلا خلال هذا العام ( 2017 )من قبل أشرف كيلاني (المركز القومي بالقاهرة ودار الكتاب العربي في 240 صفحة)،