إعداد/ محمد مأمون ليله
قال شيخنا فارس بن فالح الحنبلي حفظه الله:
كثيرا ما توجه هذه التهمة ضد مذهب السادة الحنابلة ، ولاشك أن لهذا أسباب:
أولها : خصوم المذهب من المبتدعة كالمعتزلة وغيرهم ، فلما كان الإمام أحمد هو من وقف في وجه من أراد تحريف الدين، فحاولوا النيل منه عن طريق تشويه مذهبه باتهامه بالتشدد ، ولا زال التشويه مستمراً إلى يومنا هذا .
ثانيا: بعض فقهاء المذاهب الفقهية الأخرى المتعصبة لمذاهبهم.
ثالثا: من انتسب للمذهب من العوام في زمن الخلافة العباسية ( مع أن عوام باقي المذاهب سلكوا نفس مسلك عوام الحنابلة ) لكن من شهر عن الحنابلة في ذلك أيضا هم خصومه ، واخفوا ما فعله عوام باقي المذاهب، وكله جهل بالدين .
رابعاً : من انتسب للمذهب في هذا العصر من العوام واعتَقَدَ ، أن المذهب مبني على الشدة والتكفير والتبديع ، وصوروا للناس أن هذه طبيعة المذهب ، وهذا استغله خصوم المذهب العقدي ومخالفو المذهب الفقهي استغلالاً غير منصف، حيث وظفوا كل ما ارتُكِبَ من شدة باسم المذهب زوراً وبهتاناً للحط من قدر المذهب ، والنيل منه دونما أي إنصاف .
خامساً : من انتسب للمذهب من العلماء في هذا العصر.
وبالرغم من الجهود المبذولة لنشر المذهب إلا أنها محصورة في تحقيق كتب المذهب ، وفي التدريس والتعليم نشروا خلاف المعتمد في المذهب ، الذي هو ( القول الراجح )، وههنا طُمسَ المذهب الحنبلي ، واعتقد الناس على مدى أربعة قرون أن ما يتداوله منتسبو المذهب من أهل العلم المعاصرين هو المذهب الحنبلي .
سادسا : صمت باقي فقهاء المذاهب الأخرى عن التشويه الحاصل تجاه المذهب ، بل والإقرار على ذلك بل والإعانة على التشويه ، وهذا يقدح في إنصاف هؤلاء العلماء وديانتهم .
وجوابنا عن التهمة :
أن الإمام أحمد رضي الله عنه أحد الأئمة الأربعة المشهود لهم بالعلم والدين ، وهو الإمام الذي لولا تثبيت الله تعالى له لضلت أمة بأسرها ، فاتهامه أو اتهام مذهبه التشدد ظلم له ولفقهاء المذهب .
إن مذهب الإمام أحمد -رضي الله عنه- من أوسع المذاهب وبالتالي فهو من أيسر المذاهب؛ لأنه _ كما باقي المذاهب _ يدور مع النص ، والله ما شرع شيئاً إلا وهو ييسر على العباد، ولم يكلفهم مالا يطيقون .
ففي العبادات في أبواب الطهارة يقول: بطهارة بول وروث مأكول اللحم ، ولولا هذا لضاق الأمر وكثر الحرج ، وخاصة مع الفلاحين الذين يتعاملون مع الأنعام بصورة مباشرة ومستمرة.
ولا يختلف كثيراً عن المذهب الشافعي فعنده الرخصة في المسح على الجورب ، وفي المعاملات عنده الأصل الحل ، وفي الانتفاع من الأعيان الأصل الإباحة، ومن تتبع مذهب السادة الحنابلة بقراءة يسيرة لكتاب من كتب المذهب لوجد بنفسه صحة ما نقول به ، بل إن مذهب الحنفية اشد بأضعاف مضاعفة من مذهبنا ومن قارن بين الاثنين علم ذلك .