أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس السويسرية، خلال اجتماعه السنوي، الأخير عن تدشين مجلس عالمي لحوكمة العملات الرقمية.
ووفقاً لبيان، فمن المقرر أن يركز مجلس الحوكمة على تصميم إطار لإدارة العملات الرقمية، بهدف زيادة وصولها إلى النظام المالي من خلال حلول مبتكرة تتمتع بالكفاءة والسرعة وقابلية التشغيل البيني والشمولية والشفافية، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في كل من البلدان المتقدمة والاقتصاديات الناشئة.
وذكر بيان للمنتدى الاقتصادي العالمي، أن استصدار العملات الرقمية سيكون له آثار بعيدة المدى، على الاستقرار المالي المحلي إلى أن يصل لحد الاستقرار في معاملات التجارة الدولية، وعلى هذا النحو من المحتمل أن تكون الجهود المبذولة لتنظيم العملات الرقمية مستنيرة وتعاونية وعالمية بطبيعتها.
وأوضح أن هذه المبادرة الأولى تعتمد على العمل الذي أنجزه المنتدى على مدار العام الماضي عبر اجتماعات مع عدد من البنوك المركزية في العالم للمشاركة في تصميم إطار سياسة لاعتماد العملات الرقمية.
البيان أشار إلى أن تلك الخطوة جاءت بعد مشاورات مكثفة مع المهتمين بقضايا العملات الرقمية، كأداة للادماج المالي شريطة أن تكون مقترنة بحسن الإدارة، وسيكون هذا الملف ضمن فعاليات قمة المنتدى العالمية لإدارة التكنولوجيا في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية في الفترة من 21 إلى 22 أبريل (نيسان) المقبل.
ووفقا للبيان، سيضم المجلس، مؤسسات دولية ومؤسسات مالية وممثلي الحكومات والخبراء التقنيين والأكاديميين والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وأعضاء مجتمعات المنتدى الاقتصادي العالمي.
وقال كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي، “تعتبر العملة الرقمية، مجال اهتمام رئيس للمنتدى، وبناء على تاريخنا الطويل من التعاون بين القطاعين العام والخاص، نأمل أن تحفز استضافة هذا المجلس العالمي وضع إطار عمل قوي لحوكمة العملات الرقمية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخاوف من عدم السيطرة على مستقبل الأموال
وتسبب مشروع إصدار العملات الرقمية أخيراً في زيادة التركيز على سوق العملات الرقمية، خاصة مع جذب عملة “فيسبوك” المخطط لها المزيد من الاهتمام في الوقت الذي تبحث فيه البنوك المركزية إمكانية السيطرة على مستقبل الأموال في العقود المقبلة.
وفي منتصف العام الماضي، أعلنت شركة “فيسبوك” خططها لإصدار عملة رقمية تدعى “ليبرا” متوقعةً أن تخرج إلى النور في 2020. وفور إعلان مشروع فيسبوك كان رد الفعل عنيفا ًمن قبل الحكومات والبنوك المركزية وسط مخاوف تتعلق بالاستقرار المالي العالمي وغسل الأموال، مما أسهم في زيادة التوقعات بأنه “ليبرا” لن يتم إصدارها في العام الحالي.
وفي الوقت الذي شهد فيه مشروع “ليبرا” انتكاسات وتحذيرات عدة مع تخلي العديد من الشركات الداعمة عنها، بدأت فكرة إصدار عملات رقمية حكومية من قبل البنوك المركزية تعود إلى المشهد مجدداً. ومنذ أعلنت شركة “فيسبوك” مشروعها الجديد تجلت مخاوف من استخدامها في غسل الأموال ودعم الإرهاب والتأثير على السياسة النقدية وتغيير المشهد المالي العالمي، فضلاً عن مخاوف الخصوصية.
في الوقت نفسه، حذرت البنوك المركزية من العديد من المخاطر مع تأكيد بنك الاحتياطي الفيدرالي على أنه لابد للشركة الأميركية أن تعالج هذه المخاوف بشكل شامل وعلني.
وفضلاً عن البنوك المركزية، لم تكن “ليبرا” مقبولة من قبل الحكومات والمسؤولين وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وصف هذه العملات بأنها تخضع لتقلبات شديدة وبإمكانها تسهيل تصرفات غير قانونية، بما في ذلك تجارة المخدرات وأنشطة غير قانونية أخرى.
فيما توقع رئيس سويسرا السابق، الفشل لعملة “ليبرا” في شكلها الحالي التي ستكون مدعومة بسلة من العملات والديون الحكومية للحفاظ على قيمتها مستقرة، مشيراً إلى أنها بحاجة إلى التعديل من أجل الحصول على الموافقة التنظيمية.
ومع تزايد عدد المنتقدين والرافضين لمشروع “فيسبوك”، أعلنت الشركات العملاقة التي تقف وراء “ليبرا” انسحابها من المشروع. حيث أعلنت شركات مثل باي بال وآيباي وفيزا وسترايب وماستركارد وآخرها فودافون التخلي عن حلم مشروع “ليبرا” الذي يبدو أنه سينتهي سريعاً. وكانت رابطة “ليبرا” في الأساس مكونة من 28 عضوا لكن هذا الرقم تقلص كثيراً وسط عمليات التدقيق واسعة الانتشار.
التسويات الدولية تدعم إصدار نسخ إلكترونية من العملات
واكتسب موضوع العملات الرقمية للبنوك المركزية زخماً كبيراً بين المؤسسات الكبرى منذ أيقظ مشروع “ليبرا” الفكرة وتسبب في أن يجري تداولها على نطاق واسع بين صناع السياسة.
فيما يرى بنك التسويات الدولي أن إصدار البنوك المركزية عملاتها الرقمية بات أقرب من المتوقع في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن المؤسسة تدعم جهود بنوك مركزية لإصدار نسخ إلكترونية من عملاتها المحلية.
وأخيراً، ناقش صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي، فكرة إصدار عملتهم الرقمية الخاصة بهم مع تصريحات أدلت بها كريستين لاغارد، رئيسة “المركزي الأوروبي” منذ فترة طويلة أنه يجب على البنوك المركزية النظر في مزايا العملات الرقمية التي تعتقد أنها تشمل أهدافاً عامة مثل الشمول المالي وحماية المستهلك وخصوصية الدفع.
وتعمل بنوك مركزية عالمية مثل المركزي السويدي على إصدار نسختها الخاصة من العملات الرقمية. ولكن بدأت البنوك المركزية التفكير بشكل رسمي في هذا الصدد حينما أعلنت تشكيل مجموعة من البنوك المركزية من أجل تبادل الخبرات وتقييم الحالات المحتملة للعملة الرقمية للبنك المركزي في مناطقها المحلية.
وبحسب البيان المشترك للبنوك المركزية، ستتألف الهيئة من بنوك إنجلترا واليابان والسويد وفرنسا وسويسرا والبنك المركزي الأوروبي بالإضافة إلى بنك التسويات الدولية. ويترأس هذه المجموعة “بينوا كوري” الذي يرأس أيضاً مبادرة بنك التسويات الدولية الخاصة بالعملات الرقمية بالإضافة إلى نائب محافظ بنك إنجلترا “جون كونليف”.
تقييم خيارات تصميم العملات الرقمية
خلال البيان المقتضب، أشارت البنوك المركزية إلى أنها سوف تعكف على تقييم الخيارات الاقتصادية والعملية والفنية لتصميم العملات الرقمية، بما في ذلك التوافق عبر الحدود، فضلاً عن نقل المعرفة فيما يتعلق بالتكنولوجيات الناشئة.
وتنطوي فكرة العملات الرقمية المستقرة الخاصة بالبنوك المركزية على أنها أموال تقليدية، ولكن في شكل رقمي حيث يتم إصدارها ويحكمها البنك المركزي للدولة. ولكن من المثير للاهتمام أن يغيب البنك المركزي الصيني عن تلك المجموعة خصوصا أنه يستعد ليصبح أول بنك مركزي رئيس يُصدر نسخة رقمية من عملته فيما يُعرف بـ”اليوان السيادي”.
كما أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يبدو أنه ينأى بنفسه عن فكرة إصدار عملة رقمية، خاصة مع تعليقات وزير الخزانة ستيفن منوشين إنه ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لا يعتقدان بوجود حاجة لتدشين عملة رقمية في المستقبل القريب.
ومع ذلك، ذكر “باول” أن الاحتياطي الفيدرالي يراقب أنشطة البنوك المركزية الأخرى لتحديد الفوائد المحتملة من إصدار العملات الرقمية.
الوقت الأمثل للاستعداد للأزمة المالية
وفيما تكافح البنوك المركزية لمواجهة سوق العملات الرقمية، فإن رئيس القسم العالمي في “جي.بي.مورغان”، جاكوب فرينكل، يرى أن الوقت الحالي هو المناسب للبنوك المركزية من أجل الاستعداد للأزمة المالية المقبلة.
وأضاف، “هذا هو الوقت المناسب للتقدم نحو الوضع الطبيعي وتحقيق التوازن”، مشيراً إلى “أنه لا يرى في الأفق أزمة قادمة. إذا دفعت البنوك المركزية معدلات الفائدة بالقرب من الصفر، فلن يكون لديها مجال كبير للمناورة إذا دعت الحاجة، هذا سبب آخر يجعلك تستعد حقاً للأزمة المقبلة”.
وأوضح أن الاقتصاد الأميركي يشهد في الوقت الحالي انتعاشاً طويل الأجل، لذا فإنه الوقت المناسب لتحقيق التوازن في سياسة وأدوات السياسة الاقتصادية. لكنه في الوقت نفسه حذر من معدلات الفائدة السالبة، مشيراً إلى أن إبقاءها لفترة طويلة يسبب اضطرابات حيث يلجأ المستثمرون إلى الأسهم فقط لكسب العوائد.
أيضاً، حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، المستثمرين من افتراض أن استراتيجية السياسة النقدية للبنك تعمل وفق “نظام آلي”. وقالت إنه ” أمر سخيف أن يعتقد البعض أن المركزي الأوروبي يعمل بنظام معد مسبقاً. دعونا ندرس الحقائق، دعونا نرصد كيف يتطور أداء الاقتصاد”.
——————————-
المصدر : اندبندنت عربية