عادل عامر
جعل مشروع القانون الجديد، إنشاء الجمعيات الأهلية بموجب إخطار، كما نص الدستور، على أن يكون الإخطار مستوفيًا الشروط والبيانات القانونية المطلوبة. ألزم مشروع القانون الجديد الجمعيات بالإعلان عن مصادر التمويل، وأسماء أعضاء الجمعية وميزانيتها السنوية وأنشطتها، مع نشر ذلك عبر الموقع الرسمي لها وعلى الموقع الرسمي للوزارة المختصة، وداخل مقراتها أو أية وسيلة من وسائل النشر والعلانية. تعتمد فلسفة القانون الأساسية على دعم العمل الأهلي، لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع، عبر تيسير الإجراءات وضبط الرقابة التابعة لوزارة التضامن، ويفرق القانون بوضوح بين العمل الحزبي والعمل الأهلي، كما نص المشروع في مواده على أن إسناد القرار بحل الجمعية يكون للقضاء، وليس من خلال وزارة التضامن.
أن «ما جرى في البرلمان يثير الشبهات والشكوك، لأن وزارة التضامن وضعت مشروع قانون شاركت في مناقشته المنظمات الأهلية وجرت تعديلات كبيرة على مواد مسودته الأولى، وإن كانت هناك مواد تحفظنا عنها، لكن كان هناك نقاش».«عندما يأتي مشروع قانون آخر ويتم تمريره على عجل، فهذا يثير الشبهة حول الهدف من ورائه. ما جرى يهدف إلى إحكام السيطرة على الجمعيات الأهلية. القانون الجديد أسوأ من المشروع الحكومي في نسخته الأولى وقبل تعديله».
وهذه هي تحفظاتنا علي القانون
1 – “تخصيص جزء من التمويل الأجنبي لصالح جهة حكومية ليس له أي سند قانوني،
2- تشكيل الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية أكثر توسعا من اللجنة التنسيقية بمشروع الحكومة، وهو تشكيل حكومي متشدد ذو قبضة أمنية شديدة، ويُعد رسالة سلبية تجاه المجتمع المدني ومؤسساته، حيث يرتكز الأمر في يد أجهزة أمنية وليس وزارة التضامن”.
3- الفقرة الثانية من المادة 24 بالقانون التي نصت على “تلتزم الجمعية بعدم صرف الأموال الممنوحة خلال فترة الستين يوما، وإذا لم يرد الجهاز خلال الستين يوما المشار إليها اعتبر ذلك عدم موافقة”، أن مشروع الحكومة نص على أنه في حالة مرور 60 يوم دون رد من اللجنة التنسيقية يُعتبر موافقة وليس رفض. 4- أن مشروع البرلمان يجعل المنظمات والجمعيات تلتزم بخطة التنمية الاجتماعية أن ذلك يهدد برفض كل التمويلات للمشروعات الحقوقية أو غير المدرجة بخطة الدولة، ويعتبر هذا قيد على المجتمع المدني ويحوله إلى مؤسسات حكومية تلتزم بخطة الحكومة بدلا من المبادرات الفردية والمجتمعية لحل مشكلات خارج تخطيط الدولة،
5- إن الفقرة الثانية من المادة 23 التي تنظم جمع التبرعات وتشترط إخطار الجهة الإدارية عند التلقي، أو جمع التبرعات بثلاثين يوم عمل.
6- أن القانون اعتبر أعضاء مجلس إدارة الجمعية أو المؤسسة بمثابة موظفين عموميين بإخضاعهم لقانون الكسب غير المشروع، “هذا القانون خاص بالعاملين في المال العام، وبالتالي أي زيادة طارئة في ثروة أعضاء مجلس الإدارة تجعله كسب غير مشروع رغم أن أغلبهم رجال أعمال
7- أن الأخطر في مشروع البرلمان هو وضع عقوبات سالبة للحريات من عام إلى 5 سنوات سجن، ومنها الحبس مدة لا تزيد عن عام لكل من نقل المقر إلى مكان بخلاف المُخطر
لذلك :- تغيرت العقوبات التي يقرها مشروع القانون على المخالفات لتصبح الحبس بدلًا عن الغرامة التي نص عليها قانون الحكومة. وعلى الرغم من تصريح الدكتور عبد الهادي القصبي، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، بأن القانون لا يحتوي على عقوبات سالبة للحريات، إلا أن نص المشروع يخالف هذه التصريحات. طبقًا لنص المادة 87 من المشروع الجديد، تتراوح عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات، باﻹضافة إلى غرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه. وتتمثل الجرائم التي يعاقب عليها المشروع الجديد بالسجن 5 سنوات في معاونة أو مشاركة منظمة أجنبية في ممارسة نشاط أهلي في مصر دون الحصول على تصريح، أو إجراء أو المشاركة في إجراء بحوث ميدانية أو استطلاعات رأي في مجال العمل اﻷهلي دون الحصول على موافقة مسبقة. كما يُعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة وغرامة تتراوح بين 20 ألف و 500 ألف جنيه من ارتكب «جرائم» أخرى كنقل مقر الجمعية إلى مقر جديد بخلاف المكان المُخطر به، طبقًا لنص المادة 88 من المشروع.
أن تجريم إجراء استطلاعات رأي أو نشرها، يشير إلى أن صانعي القانون لا يعرفون أبجديات العمل التنموي الذي يعتمد بشكل أساسي على استطلاع رأي المواطنين وإجراء الدراسات واﻷبحاث الملائمة لتحديد احتياجاتهم وجودة الخدمات التي يتم تقديمها لهم. واستحدث مشروع القانون الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات اﻷجنبية غير الحكومية، ويختص بالموافقة على عمل المنظمات اﻷجنبية والتصريح بالحصول على أموال أو تمويلات من الخارج، والتأكد من إنفاق أموال الجمعيات للأغراض المخصصة لها وتلقي إخطارات التمويل المحلي. ويصدر رئيس الجمهورية قرار تشكيل الجهاز برئاسة رئيس متفرغ وعضوية ممثلين عن وزارات الخارجية، والدفاع، والعدل، والداخلية، والتعاون الدولي، وممثل للوزارات المختصة، وآخر للمخابرات العامة، وآخر للبنك المركزي، وممثل لوحدة غسيل اﻷموال، وممثل لهيئة الرقابة اﻹدارية.
وأوضحت المادة 66 أنه لا يجوز للجمعيات أو الكيانات الخاضعة ﻷحكام هذا القانون الاستعانة باﻷجانب سواء في صورة خبراء أو عاملين مؤقتين أو دائمين أو متطوعين إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق من الجهاز. وفي حالة التبرعات أو التمويلات الخارجية، تشترط المادة 24 من القانون موافقة الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات اﻷجنبية غير الحكومية على التمويلات. ويمتلك الجهاز مهلة 60 يوم عمل للرد على طلب التمويل. كان مشروع الحكومة قد اشترط نفس الموافقة على التمويلات اﻷجنبية. وبينما اعتبر مشروع الحكومة عدم الرد خلال 60 يومًا بمثابة موافقة على الطلب، إلا أن المشروع الجديد اعتبر عدم رد الجهاز خلال الفترة بمثابة عدم موافقة.
لقد كان قانون رقم 84 لسنة 2002 الذي ينظّم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية في مصر، ويُعتبَر على نطاق واسع بأنه من القوانين الأكثر فرضاً للقيود في العالم العربي، شوكة في خاصرة الجمعيات والمؤسسات الأهلية المصرية بينما يشكّل في الوقت نفسه نموذجاً للحكومات العربية الأخرى التي تحاول بسط سيطرتها على المجتمع المدني. ينص القانون الحالي على وجوب حصول الجمعيات على ترخيص من وزارة التضامن الاجتماعي شرط ألا يقل عدد أعضاء الجمعية عن عشرة أشخاص، كما يفرض عقوبة بالسجن ستة أشهر على كل من لا يتقيّد بأحكام القانون، وفي ذلك انتهاك للمعايير الدولية لحرية التجمّع. تستهلك آلية التسجيل وقتاً طويلاً وتخضع للاستنسابية الكاملة لوزارة التضامن الاجتماعي التي يمكنها رفض إعطاء تصريح للجمعيات بالاستناد إلى أسباب مبهمة مثل الاعتبار بأن أهداف الجمعية تشكّل “تهديداً للوحدة الوطنية” أو مخالفة “للنظام العام أو الآداب”، أو تتضمّن “أي نشاط سياسي”.
ولا يُسمَح للجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تحصل على تصاريح ب”الانضمام أو الاشتراك أو الانتساب إلى” أي منظومة خارج مصر إلا في حال قامت بإخطار وزارة التضامن الاجتماعي قبل ستين يوماً ولم تتلقَّ أي اعتراضات؛ كما أنه لا يجوز لأية جمعية “أن تحصل على أموال من الخارج… إلا بإذن من وزير التضامن الاجتماعي”. وينبغي على الجمعية الأهلية أن تخطر وزارة التضامن الاجتماعي بأي اجتماعات للجمعية العمومية قبل الانعقاد بخمسة عشر يوماً على الأقل، ويحق للوزارة أن تنتدب عنها من يحضر الاجتماع. ويملك وزير التضامن الاجتماعي أيضاً صلاحية حل أي جمعية أو مؤسسة أهلية في أي وقت، حتى ولو كانت المخالفة المرتكبة للقانون بسيطة. وعلى الرغم من أنه يحق للجمعية استئناف الحكم، إلا أن القضايا الإدارية تستغرق سنوات عدّة في نظام المحاكم المصري المثقل بالقضايا غير المنجز.