يجهد البعض نفسه فى البحث والجرى وراء كرسى أو منصب يتبوأه فتراه يظل يبحث ويبحث عن الوسيلة التى تصل به إليه ولا يخجل أو تتحرك بداخله نخوة الإباء وعزة النفس فيقررأن ينتهج المبدأ والشعار المكيافيلى فى معاملاته وعلاقاته بصانعى القرار وولاة الأمر ذلك المبدأ القائل
” الغاية تبرر الوسيلة ” نعم غايته – مهما كانت – هدف أسمى عنده ينتهج من أجلها كل الوسائل مشروعة كانت أم غير ذلك فهو يبحث ويبحث ويتلون ويداهن من أجل الوصول لغايته وهدفه،
ولا يدرى أن حين أغمض عينيه وألغى عقله لكى لايرى أو حتى يفكر فى أن أى منصب ماهو إلا ” تكليف وليس تشريف ”
وأنه محاسب على ما أقترفت وجنت يداه وما كسب أو استحل
فلنر منهج الرسول الأكرم فى هذا الشأن عل ذاك العاشق الباحث عن المنصب يتعظ من سيرة من لا ينطق عن الهوى رسولنا الأعظم
عن أبي موسى الأشعري قال: دخلت على النبي ﷺ أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله، ” أمِّرنا على بعض ما ولاك الله وقال الآخر مثل ذلك”، فقال النبي ﷺ ” : إنا والله لا نولِّي هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه”.
ونلحظ معا أن الرسول الكريم قد أقسم تأكيداً لهذا المعنى ” إنا – والله – لا نولي هذا العمل أحدًا سأله أو أحداً حرص عليه ”
فمن هذا الأدب النبوى ندرك أن الشخص الساعى لكرسى الحريص على أن يكون ذا منصب أو سلطة شدد الرسول على عدم صلاحيته لما يطلب
وهنا نخلص لحقيقة أنه ثمة فرق بين إخلاص فى العمل واجتهاد يصلان بالإنسان لمكانة معينه هو جدير ومستحق لها ، وبين من يطلبها دونما أن يكون مؤهلا لها
ولنا فى حديث الصحابى عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- القدوة والموعظة الحسنة قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا عبد الرحمن بن سمرة:
– لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك وأت الذي هو خير»(23).
فهنا وضع رسولنا الكريم لنا المنخج من خلال هذا الأدب النبوى فى الحديث حيث نصٌّ على منع طلب الإمارة بقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن سمرة: ——- «لا تسأل الإمارة»
وهو خطاب للجميع، إذ لا دليل على الخصوص.فالرسول الكريم حدد أنواع طالبى الإمارة فى نوعين :
الأول – من سأل الإمارة وسعى لها فهذا تشق عليه ويصعبها الله له فتصبح هما فى الدنيا وخزى وندامة فى الآخرة
والثانى – من حملها دون طلب أو سعى لها فلقد جاءته باجتهادة وإخلاصه فهذا يعينه الله عليها وييسر له أمرها فيصبح ممن حسنت سيرتهم فى الدنيا وكانت لهم للجنة جسرا وشفيعة يوم القيامة
فليعلم كل مسؤول أنه محاسب على عمله وعلى من يختارهم ليتولوا شئون الغير فلتحسن أيها المسؤول الاختيار ولتدقق فيمن تختارهم فإن أحسنوا فلك مثل أجرهم وإن أساءوا فعليك ما عليهم من الإثم والذنب
فاللهم احفظ مصرنا ووفق كل مسئول لما فيه الخير لوطننا ولشعبنا الكريم الأصيل فمصر أعظم من أن نهينها أو أن نقصر فى حقها علين