بقلم الدكتور / علي عبدالظاهر الضيف
نظرية المؤامرة
يعيش الانسان في خوف دائم وقلق من ظروف خارجية يعتقد أنها مؤامرة ضده ويستريح إلى هذا المبرر الذي يجده سهلا لتبرير ذلك الفشل الذي يلازمه فيعلق فشله على تلك الشماعة الواهية ألا وهي نظرية المؤامرة .
ورغم أن الظاهرة يطلق عليها اسم “نظرية” فلا علاقة لها بالمفهوم العلمي للنظرية، الذي يستوجب مقولات منطقية تم بناؤها على أسس عقلانية موضوعية وتم إثباتها عمليا، إلا أن هذه النظرية تعد نوعا من الوهم يعلق في أذهان الفشلة كإفراز طبيعي لضعف الوعي ، فالعاقل الواعي هو من يلوم نفسه على الفشل في حين يخترع الفاشل المبررات والتي هي بطبيعة الحال بعيدة كل البعد عنه، فما فشله إلا نتاج طبيعي لمؤامرات خارجية لا يد له فيها وهو الضحية المسكين !
وأبسط صورة من تلك المؤامرة نجد (الحسد) .
فقد فشل في زواجه لأنه محسود وفشل في الدراسة لأنه محسود ، وفشل في عمله لأن العيون عليه، ولم تنجح تجارته ف( العين فلقت الحجر) ويخفي عن الناس أي خبر سار عنه حتى لا يتعرض لذاك العدو الجبار الذي له سلطة خارقة حارقة مارقة سارقة الذي لا يتجاوز الأحرف الثلاثة ” ح س د ” !
لا يكاد يسمع شكوى من زميل إلا وتراه يشكو نفس الشكوى؛ خوفا من أن يحسده غيره على أنه لم يُصَب مثله !
ويوما بعد يوم تستهلك تلك الترهات والأوهام طاقته وتتحول بمرور الوقت إلى أسهل وأبسط شماعة لفشله فيفقد القدرة على الإبداع ويفتقد مهارات التفكير العلمي العقلاني السليم .
الحقيقة المخجلة أن ذلك الشخص مشغول بالخوف من الحسد أكثر من انشغاله بأن يفعل شيئا يحسد عليه !
وتجده أقل زملائه إنتاجا وأكثرهم ضحالة في الفكر والقدرة على النقاش العقلاني .
وغالبية هؤلاء من النوع الذي يشك فيمن حوله يتوجس خيفة من أن يمتدح أحدهم ملبسه مثلا أو بيته أو سيارته أو حتى تهنئته على ترقية أو ما أشبه .
ودائما يرى نفسه الضحية، فالناس ( مش سايباه في حاله)
ويظل يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي وينتحب من الأشخاص (المركزين في حياته )
حتى يتحول ذلك الخوف إلى مرض (فوبيا الحسد) وهو للأسف الشديد لا يوجد إلا في منطقتنا العربية وظاهرة (فوبيا الحسد) هي أحد رواد نادي نظرية المؤامرة الذي يرى أنه يستطيع فعل المعجزات لولا التآمر عليه من قبل أشخاص يكرهونه !
الإعلام وتغييب الوعي
نأتي إلى أهم وأكبر عدو أمام الأمة في معركة الوعي ألا وهو الإعلام وما أدراك ما الإعلام!
كلما ذكر الإعلام قفزت إلى مخيلتي مقولة چوزيف جوبلز (وزير إعلام هتلر) الشهيرة :
“أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا من الحمير ! ”
وفِي الحقيقة أن ما قاله رغم قسوته لا نستطيع أن ننكره، ودور الإعلام في تغييب العقول لا تكفيه مقالة واحدة ولا آلاف المقالات :
فليس يصح في الأفهام شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل !
فمجتمعاتنا النامية تسلط عليها إعلام بائس
لا رؤية له إلا ما رُسم له.
ولا نهج له إلا ما خُط له.
ولا يقول إلا ما قيل له .
ولا يعبر عن الشعوب قدر ما يعبر عمن يتحكم في تلك الشعوب !
فبدلا من ممارسة دوره المنوط به في معركة الوعي تحول إلى أشد أسباب تغييب ذلك الوعي .
وللاسف الشديد ما يجعلنا نصاب بالدهشة هو أكاذيب الأجهزة الإعلامية في الوقت نفسه الذي نردد فيه تلك الأكاذيب !
وهذا مما يعجب له وهو بالفعل أمر قد وقف أمامه العقل عاجزا عن التفسير !
تلك الظاهرة العجيبة تراها بنفسك حين تناقش أحدهم في شخصية إعلامية أو جريدة بعينها فيكيل له أمامك أطنانا من السباب ثم يحاوره شخص آخر فيستشهد بكلام من أشبعه سباً وكال له الشتائم أنهاراً منذ دقائق !
فصدق فيه قول أمير الشعراء:
أثر البهتان فيه وانطلى الزور عليه
يا له من ببغاء عقله في أذنيه !
ووسائل الإعلام حاليا قد تعددت بشكل كبير وتضاعف تأثيرها بشكل عجيب وأقواها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي .
ومن إفرازات الفساد الإعلامي تجد بعينك الحق أصبح باطلاً والباطل أصبح حقاً!
وصار المظلوم ظالماً والظالم مظلوماً !
فتاهت الحقيقة وأصبحت كالأيتام على موائد اللئام لا نكاد ترى لها أثرا، في حين لو سطعت أمامنا وبرقت سرعان ما نشكك فيها !
لأننا لم نعتدها .. هكذا بكل بساطة .
وفِي النهاية اقول :
معركة الوعي طويلة وطرفاها اثنان
طرف يستميت في إعادة الوعي وطرف يمثل الجهل بكل أشكاله .
فمعركتنا تجابه الجهل والتغييب في المقام الأول.