بقلم الدكتور/ علي عبدالظاهر الضيف ..
أدركت أمتنا العربية الإسلامية أن سبب كوارثها يضرب بعمق في قضية الوعي ، وهي خلاصة ما ينفض عن أمتنا غبار جثم على جوهرنا الناصع لسنوات فطمس أو كاد معالم أمة قادت العالم في حقبة تاريخية استمرت مئات السنين .. فهل يمكننا إعادة تشكيل ذلك الوعي ؟
فيما يلي خارطة طريق يقترحها العبد لله كي تنتصر أمتنا في معركة الوعي من خلال رؤيتي الخاصة :
الدرس الأول : لا تقلد غيرك
يحكى أن فلاحا كان يمتلك حمارين ، قرر في يوم من الايام أن يحمل على أحدهما ملحا والآخر صحونا وقدورا ..
انطلق الحماران بحمولتهما، وفيل منتصف الطريق شعر الحمار حامل الملح بالتعب، والإرهاق حيث إن كمية الملح كانت أثقل من الصحون الفارغة .
بينما كان حامل الصحون سعيدا لأن حمولته خفيفة، على كل حال قرر الحمار الحامل للملح ان ينغمس في بركة ماء ليستعيد نشاطه وقواه التي خارت من وطأة الملح، فلما خرج من البركة شعر كأنه بعث حيا من جديد، فقد ذاب الملح المحمول على ظهره من ماء البركة.
وخرج نشيطا كأن لم يمسسه تعب ولا إرهاق.
ولما رأى حامل القدور ما حلّ بصاحبه من نشاط قرر القفز في البركة لينال ما نال صاحبه من راحه فأمتلأت القدور بالماء ..فلما أراد الخروج من البركة كاد ظهره ينقسم نصفين من ثقل القدور الشديد!
تلك مصيبتنا ..
بعضنا يحمل للاسف چينات (حمورية) تدفعه إلى التقليد بلا تفكير وكأنه ينساق بقوة تنهق بداخله وتزين له التقليد الأهبل!
ومثاله ما نراه من فيديوهات على السوشيال ميديا لأشخاص تخلصوا من بعض الأمراض عن طريق وصفه شعبية أو عشبيه ونشروها بدافع نشر الخير للفائدة .. جزاهم الله خيرا على كل حال ولكن ..
نسيت يا أيها المقلد غيره أن ما يفيدك قد يضر غيرك وما يفيد غيرك قد يضرك !
التاريخ المرضي لصاحب الوصفة يختلف عنك وظروفه وظروف جسمه تختلف عن ظروف جسمك وما يحويه من مستوى معين من نسب مكونات الدم والسكر والأملاح والهرمونات ونشاط الغدد مجال كبير للاختلاف فيقلد المسكين الوصفة دون استشارة طبيب ودون تحاليل طبية لتحدث الكارثة!
هذا مثال بسيط للإيضاح وهناك ما هو أعمق في قضايا تقليد الأمة لغيرها ومنه إلى ضياع الهوية ومنه نتعلم الدرس الآتي :
قبل ان تهم بتقليد غيرك يجب ان تسأل المختصين وتدرس حالك وتحيط علما بجوانب الموقف حتى لا تحدث لك كارثة الحمار !
الدرس الثاني : اعرف قيمة نفسك
كان الشاعر الباكستاني *محمد إقبال* رحمة الله عليه يزور مصنعًا في لاهور، فلفتَ انتباهه عاملٌ في زاوية من زوايا المصنع ..
ينشد الأغاني ومزاجه (عال العال) وتعلو محياه علامات السعادة، فاقترب منه فإذا هو يجمع المسامير ويضعها في عُلب خاصة شأنه شأن بعض رفاقه بالقرب منه، فزاد هذا الأمر استغرابه
فسأله : ماذا تفعل؟
فقال : أنا أصنع طائرات..فقال له باستغراب : طائرات؟
فقال أجل ياسيدي طائرات، هذه الطلبية لشركة تصنيع طائرات، والطائرات العملاقة التي تركبها لا يمكن أن تطير دون هذه المسامير الصغيرة !
*نظرتنا لأنفسنا* هي التي تُحدد قيمتنا في الحياة ..
وهو تحدٍ هام من تحديات قضية الوعي .
هناك فرق كبير بين من يرى نفسه مجرد جامع للمسامير في عُلب .. وبين من يرى نفسه شريكًا في صنع الطائرة،،
قس على ذلك :
فرق كبير بين من لا يرى من وظيفته إلا الأجر الذي يجنيه وبين من يرى الأثر الذي يتركه ..
ثق في أن كل عمل مهما كان بسيطًا يترك أثرًا في هذا العالم، وما تحتاجه أنت فقط هو أن تنظر إلى هذا الأثر.
أنت لستَ مجرد خطيب على المنبر أنتَ ترسم خارطة طريق لرسم وعي تلك الأمة !
وأنت أيها المعلم : أنت لستَ مجرد مُدرس صبايا وصبيان أنتَ صانع سيدات وسادة المجتمع !
أنتِ لستِ مجرد ربة أسرة أنتِ أهم شخص في العالم، أنتِ أول مُربٍّ وأهمُ مُربٍّ ، فليس هناك صناعة أعظم من صناعة الإنسان !
فق كبير أن تشعر أنك شيء كبير فتصنع التاريخ وأنت واثق مما تفعل بينما غيرك تذهب نفسه حسرات من فكرة أنه (لا شيء) فيبدأ الإحباط .. ومنه إلى الهاوية !
ثق تماما أنه :
لن يستطيع أحد أن يمتطيك إلا إذا كنت منحنيا ! لنكتسب نقطة جديدة في معركة الوعي ألا وهي :
اعرف قدرك يعلُ شأنك
الدرس الثالث : اعرف قيمة غيرك
يحكى أن رجلا عَجوزاً كان يشكو الى زوجته العَجوز شخيرها الليلي ، لكنها كانت دائمًا تَنكر ذلك ،ذات ليلة قام بتسجيل صوت شَخيرها ليثبت لها صحة كلامه ،وفي صباح اليوم التالي أراد أن يريها الدليل لكنها لم تصحُ ،كانت تلك ليلتها الأخيرة ورقدتها الأخيرة ، منذُ ذلك الحين أصبح التسجيل أغنيه نومه كُل ليلة !
اعرف قيمة غيرك ، تلك هي القيمة والدرس التالي لمعرفة قيمتك ، وهذا الدرس يرتبط بقضية (الاستفادة من غيرك قبل فوات الأوان) هؤلاء ال (غير) لهم دور عظيم في حياتنا والاستهانة بهم كشف لستر يغطينا بغيرهم نفتضح !
استدرك علاقتك بهؤلاء قبل أن تضيع الفرصة.
أحسن استغلال رفاق الروح والقلب ؛ فالعاقل من أدرك قيمة الجوهر فلم يلقه في مجاهل الإهمال.
ولا تقتصر القيمة على الأشخاص فحسب بل قيمة الموارد بالقياس إلى ذلك .
يحكي أحدهم :
كنّا في كلية الهندسة نجلس على كراتين خشبية لأجهزة لم تجد لها مكانا في المعامل فجعلوها كما هي في صندوقها خوفا من استخدامها فتستهلك أو يصيبها تلف جرّاء استخدام الطلاب لها فيجازى أمين العهدة ويعاقب ..
ظلت الصناديق سنوات في العراء مجلسا للطلاب والطالبات وسفرة للطعام أحيانا ومنصة للتسابق والتنظيط تارة أخرى !
والنتيجة .. بعد مرور سنوات فتحوا الصناديق ليجدوها قد أصبحت أجهزة قديمة عفى عليه الزمن ك(فلوبي دسك) في زمن (الواي فاي) و(الفلاش ميموري) لم يعد أحد يستخدمها فضلا عن أن غالبيتها قد أصيبت بالتلف جراء الإهمال !!
بس يا سيدي. .. ضاعت الملايين من الأموال كما حرمنا الطلاب الاستفادة من هذه الأجهزة والتدريب عليها في وقتها ، فضاعت ملايين الخبرات التي كنّا نحتاجها وقتئذٍ
وتستمر معركة الوعي مع ال(لاوعي)
وإلى لقاء قريب في الحلقة التالية إن شاء الله