بقلم الدكتور /علي عبدالظاهر الضيف
كلنا يتذكر أغنية ثلاثي أضواء المسرح التي مازالت عالقة في أذهاننا (كوتوموتو يا حلوة يا بطة) ومازلنا نداعب بها أطفالنا ونضاحكهم بها .. ولا يعلم الكثير أن لها أصولا من أيام الفراعنة على غرار كثير من الكلمات الفرعونية التي مازلنا نستخدمها مثل (كاني وماني) التي تعني العسل والسمن و(ميت) التي تعني قرية والمفردات التي نتداولها منذ ألاف السنين مثل (ماجور) و(برام) و(طنش) و(ياما) و(بح) و(بخ) و(عو) وغيرها الكثير .. نعود إلى كوتوموتو
ورد في كتاب اللغة المصرية القديمة للدكتور عبد الحليم نور الدين وكتاب النصوص الملكية فى المقابر الفرعونية للدكتور جمال عبد الرزاق أن كوتوموتو في الأصل الفرعوني قبل أن يطرأ عليها تغيرات الزمن وتعاقب الأجيال هي (كاموت إف) كما نطقها أجدادنا وتعني حبيب أمه،عند قدماء المصريين بالهيروغلوفية فـ (كوتوموتو) أو كاموت إف ترجع قصته إلى أسطورة الإلهة حتحور التي تشكلت لديهم في صورة بقرة، وكانوا يقدسونها باعتبارها رمزا الحب والجمال والأمومة ، ذلك لأن حتحورقامت بدور عظيم تجاه (حورس) ابن ايزيس الذي تركته أمه في الدلتا وذهبت تبحث عن أشلاء زوجها أوزوريس فاحتضنته حتحور وأرضعته وحنت عليه وقامت بدور الأم البديلة له .
ومن أعظم أدوارها ما قامت به حين احتدم الصراع بين حورس وعمه ست (إله الشر عند الفراغنة) واشتدت العداوة بينهما ، ففي أثناء الصراع الدموي الذي صار بين حورس وست قام عمه باقتلاع عينه اليسرى، فقامت حتحور بمداواة عين حورس وذلك بوضع قطرات من لبن غزالة برية بداخلها ففتح حورس عينيه وتم شفاؤه!
وفي وجدان المصري القديم فإن حتحور ترمز إلى الأمومة الفطرية الطيبة فيصورونها في أعمالهم النحتية مع ابنها (إيحى)، الذي كان يصور في جدران المعابد الفرعونية بصبى يقبض على شخشيخة يقوم بهزها في الطقوس الدينية محاكيا بذلك أمه صاحبة أشهر صلاصل في التاريخ المصرى القديم.
كما ارتبطت حتحور بكل الأطفال والمواليد الجدد فهي التي تبعث بالسبع حتحورات أو السبع بقرات كما تقول الأسطورة ليستقبلن المولود الجديد حين مولده، ويقمن بعزف الدفوف وهز الصلاصل أو الشخاشيخ أمام وجه الطفل لحمايته من الحسد، ومن هنا ارتبطت حتحور برقم 7 وتناست الأمهات مع مرور الزمان الحتحورات السبع، ولكنهن احتفظن بحبات الفول السبع في خيط على هيئة أسورة صغيرة يوضع في يد المولود ومن يزوره من الأطفال الصغار للحماية من الحسد، ويطلقون على المولود اسم (كاموت إف) أو حبيب أمه وثور أمه وسندها عندما يشتد عوده، وتحورت كلمة (كاموت إف) في الوجدان الشعبى وأصبحت كوتوموتو ثم زادت عليها أغنية الثلاثي (يا حلوة يا بطة)لتصبح العبارة التي يتم بها تدليل الأمهات للأطفال.
وحوي يا وحوي إياحة
كلنا ونحن صغار قد غنينا هذه الأغنية احتفالا بقدوم رمضان ولياليه الجميلة وهي ترجع أيضا إلى عصر الفراعنة وبالتحديد في عصر أحمس قاهر الهكسوس حين طردهم من البلاد بعد انتصاره عليهم فخرجت جموع الشعب المصري كي تحيي الملكة إياح حتب، والدة الملك أحمس، وكانوا يهتفون لها: «واح واح إياح» بمعنى «تعيش تعيش إياح»، ومع مرور الزمن صاروا ينادون بها الهلال وصرنا نقول الأغنية «وحوي يا وحوي إياحة» في شهر رمضان ابتهاجاً به وبهلاله، وفقاً لما ورد بكتاب «أصل الألفاظ العامية من اللغة المصرية القديمة».
على سنجة عشرة
مازلنا نصف الشخص المهندم أنيق اللباس بأنه لابس على سنجه عشرة ، وهذه العبارة أصلها قديم منذ زمن ارتداء الطرابيش، وتعني ميل الطربوش ميلا خفيفا ، لدواعي الأناقة .!.
من المفترض أن يكون غطاء الرأس عموديا على الرأس ، ومقدمته في منتصف الجبهة تماما ، إلا أنهم قديما كانوا يرسلون رسائل بالحالة النفسية من خلال ذلك الطربوش فإذا كان في الوسط فهو جاد وملتزم وإذا مال إلى الخلف فهو متعب وإذا مال إلى الأمام فهو في حالة أنس و(فرفشة) وإذا مال قليلا فهذا رسالة أو جزء من لغة الجسد تعني الاعتداد و الثقة بالنفس .!..
والسنجة عشرة مللي جرام ( أي : عُشر الجرام ) ، وهي من ضمن الصنج المستخدمة في موازين الذهب و( الصنجة عشرة ) عبارة عن رقاقة صغيرة من المعدن مدموغة بالرقم عشرة ، ومساحتها مثل نصف قشرة اللب.!. ولها ملقط أو جفت خاص لإمساكها . ولو وضعت في أحدى كفتي الميزان ..لمالت الكفة ميلا رقيقا مثل ميل الطربوش للأفندي الأنيق جدا .!. .والمعنى المقصود من التعبير ..هو أن الأناقة توزن بميزان الذهب .!.
ده فاكر نفسه ابن بارم ديله !
تكثر هذه العبارة لوصف الشخص المعتز بنفسه سعيدا بما لديه من مكانة ووجاهة اجتماعية .
فمن يكون ابن بارم ديله ؟
في دراسة أعدها للمؤرخ د. جمال كمال عنوانها : العسكريون الأرمن في الدولة العثمانية” أرجع قصته إلى عصر الدوله العثمانية حيث يحكي عن مملوك عظيم هو سليمان بك الأرمني المعروف باسم “بارم ذيلة” فكان من أهم الأمراء الذين ذاع صيتهم في مصر أثناء الخلافة العثمانية وكان يحمل رتبة صنجق أو (لواء) بالمعنى الحالي، وذلك عام1690 ووصفه الجبرتي أنه” كان وجيها ذا مال وخدم ومماليك” وكان يعد من كبار الأمراء في عصره وتولى كشوفات الغربية والمنوفية عده مرات.
وأنجب سليمان بك (بارم ذيله) ولده “عثمان جلبى” ونال عثمان رتبة صنجق بعد وفاه والده، كما تقلد كشوفات المنوفية والبحيرة الغربية ويصفه الجبرتى قائلا : “كان جميلاً وجيهاً حاذقا ًيحب مطالعه الكتب وإنشاد الأشعار وكان فارسا شجاعا “وكان له دورا مهما في الصراعات العسكرية في ذلك الوقت.
وقد حدث بينه وبين محمد بك قطامش صراعات وحروب أظهر فيها براعته وشجاعته ثم اختفى فجأة عام 1715 ونهب بيته واستمر مختفياً الى أن مات عام 1720 وعمره 37 عاما .
فضرب به المثل في الشجاعة والإقدام والغنى والثقافة وخلده المصريون بعبارة يقولون فيها لكل من يدعى الشجاعة أو يتفاخر”أنت فاكر نفسك ابن بارم ديله”!
ولكن هناك شهود تاريخية ترجع مقولة ابن بارم ديلة إلى العهد الفرعوني
…. حيث وجد في اللغة المصرية القديمةإياحة ذيله مبروم وهو الإله “ست” المعروف بإله الشر،
احتار علماء المصريات في طبيعة هذا الحيوان، كلب أم ذئب أم حيوان المهم أن له ذيلاً مرفوعاً إلى أعلى، مبروماً حتى نهاية الطَرَف، ويبدو كأنه (بارم ديله)، وارتبطت به كلمة “سوه” بمعنى (يتباهى، ويتفاخر)، لذلك يرى البعض أن يكون “بارم ديله” هو نفسه “ست” إله الشر، و(ابن بارم ديله) هو كل من ينتمى لسلوكه .
خالص مالص بالص
تعود الكلمات (خالص مالص بالص) إلى عهد الفاطميين الذين فرضوا ضرائب على دخول السوق ومن يدفع الضريبة يأخذ صكا مكتوب فيه أنه خالص الضرائب، ومن التجار من يستثقل الضريبة فيدفع رشوة عبارة عن بلاص عسل أو بلاص مش فيمررونه ويصبح في هذا الحالة (بالص).
أما صاحب البضائع الرخيصة والتجارة الصغيرة التي لا تتجاوز حمولة حمارٍ أو جملٍ، فكان يتحايل كي لا يدفع لضرائب بأن يسير بجوار قافلة من القوافل التي دفعت الضرائب للتملص من الضريبة، فيصبح قد دخل السوق بطريقة (مالص) .
من هنا ظهرت جملة (خالص مالص بالص) على لسان المصريين، وتقال عند إبراء الذمة أو التأكيد على سداد كافة المستحقات والرسوم المقررة.
وللحديث بقية ..