المساء لم يأت كالمعتاد في تلك الأمسية ، الغروب غادر على عجل ، ثلة من طيور السنونو تهرع إلى جهة ما ، كانت تبدو وكأنها تخشى شيئا ، أما الريح التي انسابت من بين براثن جبل قريب فقد قررت خوض معركة الليلة .
ضجيج يملأ المكان ، الدموع تنتشر بين العيون متثاقلة ، بينما الجسد الذي لم يبلغ عقده الرابع يتوسط الجمهرة دون حراك .
– هيا يا شباب ، الليل يداهمنا …
– ما بالك يا شيخ ، انتظر قليلا فالماء لم يسخن بعد …
– لا يهم … لا يهم … أسرعوا أكثر .
امرأة كانت خلف ستارة خضراء تسمع ما يدور داخل الغرفة ، وطفل أشقر تحتويه ذراعيها أمام كوكبة نساء .
– لا … أبي مازال هنا ، لن تأخذوه …
قالها الطفل بصوت مرتفع هذه المرة ، حاولت امرأة أخرى أن تواسي الصغير بتمتمات مبهمة ، لكنه أفلت من يدها وولج إلى بطن الغرفة .
صرخ على الجسد المسجى منذ أكثر من ساعة : انهض يا أبت … انهض … النوم لا يليق بك .
صمت الرجال على مرأى الطفل وصراخ الأنثى .
أمسك بيد الجسد وهزها وكأنها غصن زيتون في موسم القطاف .
– انظروا مازال ساخنا ، ألا تفهموا معنى أن يكون ساخنا !!! …
ضحك الشيخ في سره ، وربما ضحك آخرون لكنهم اخفوا أسنانهم السوداء خشية مذمة تأتي من ثغر طفل متمرد .
– الماء جاهز شيخنا …
– هيا إذن لنلحق صلاة العشاء …
– صلوا لوحدكم ، وأنا سأصلي مع أبي ( قال الطفل الأشقر ) …
الرجال يحاولون اقتناص الجسد من أيدي غضة متشبثة به ، الصراخ يعلو هنا ، تمطر الغيمة التي حضرت لتوها من رحلة بحرية …
– إلى أين تذهبون بي …
تكلم الجسد المسجى ، الأنفاس تتقطع كما أشلاء أضحية العيد ، تبعثر الرجال في أرجاء مختلفة ، بعضهم اصطدم بالآخر ، وبعضهم نسي أن ينتعل حذاءه .
– تعالوا … تعالوا خذوا جثة الشيخ معكم …
نادى عليهم الطفل وهو يقبل يد أبيه ، المرأة تطلق زغرودة مطرزة بعناق مختلف ، في ذاك الوقت كانت السماء تنحني خجلا ..