أراد الملك أن يتأكد من نوايا أعدائه الذين يتربصون بدولته ويضمرون لها الشر، فقام بإرسال مجموعة من الفرسان لاستطلاع أحوال جيش الأعداء ونواياه، تمكن هؤلاء الفرسان من تأكيد نوايا عدوهم واستعداده للهجوم على تلك المملكة، وجمعوا معلومات هامة عن حجم جيش عدوهم وتحركاته ونوع أسلحته، وكتب قائد المجموعة إلى الملك رسالة فيها تفاصيل نوايا العدو وحجم قوته وأسلحته، وأرسلها للملك بيد أفضل فرسانه، ولكن لوعورة الطريق الذي سلكه ذلك الفارس ضاع مسمار إحدى حدوات الحصان الذي كان يمتطيه؛ ما أدى الى ضياع تلك الحدوة؛ ومن ثم تعذر على الحصان مواصلة الرحلة بعد أن سقط عاجزا؛ فأصبح الفارس يتخبط سيرا على قدميه في الطريق الطويل والوعر حتى قضى نحبه قبل أن يصل الى مملكته!
وبالتالي ضاعت الرسالة المهمة التي تنذر المملكة بهجوم الاعداء؛ ليهجم بعدها الاعداء على تلك المملكة ويدمر جيشها ويحتلها.
ضاعت المملكة بسبب مسمار في حدوة حصان، ومن هنا انطلقت المثل الياباني: ( اذا ضاع المسمار ضاع الوطن) تخيل .. مسمار !
تلك هي نظرية تأثير الفراشة التي تعبر عن فكرة رمزية وهي أن تحريك جناح الفراشة في الصين سيتسبب بحدوث إعصار مدمر في أمريكا”!
تم إطلاقه النظرية عام 1963 على يد عالم الرياضيات والأرصاد إدوارد لويرنتز الذي حاول جمع المعادلات الرياضية للتنبؤ بالأحوال الجوية لفترة معينة، وقام بإدخال البيانات ثم وجد تفاوتًا واختلافًا في النتائج عند تكرار التجربة بسبب إهماله لبعض الكسور العشرية البسيطة التي لا يتم احتسابها عادةً، فوجد أن هذه الأعشار البسيطة تحدث فرقًا عند التكرار ولمدة طويلة ! مما جعله يطلق نظرية تأثير الفراشة.
قد رأينا هنا أن صورة الفراشة بدأت على هيئة كسور عشرية بسيطة !
تذكرت هذه النظرية حين شاهدت فيلم Final Destination حيث انطلق الموت في طريقه غير عابيء بحذر الناس من خلال معطيات صغيرة كونت نتائج خطرة أدت إلى الموت الذي لا مفر منه والذي يذكرنا بالمثل العربي الشهير “معظم النار من مستصغر الشرر ”
كثير من مصائبنا اننا نستهين بأمور صغيرة يؤدي تراكمها بمرور الوقت إلى أن تتفاقم فتصبح كارثة ، فقد تأتي الفراشة على سبيل المثال أحيانا في صورة فأر ! :
حيث يعزو بعض المفسرين انهيار سد مأرب باليمن -والذي كان سببا في حضارة بلاد اليمن وبسببه سميت ببلاد اليمن السعيدة – إلى أن أهل اليمن أهملوا صيانته الدورية حتى كان انهيار هذا الصرح العظيم على يد فأر صغير !
فعندما حفر هذا الفأر في أساس السد الضخم بدأت المياه تتسرب شيئا فشيئا حتى انهار السد وتدفقت المياه.. وعليه توقفت الحياة في تلك الأرض التي جاء خرابها بسبب هذا الفأر اللعين وانهارت حضارة من أعظم الحضارات بسبب كائن صغير .
كما تأتي الفراشة في صورة بعوضة ! :
وتلك يجسدها قول الشاعر :
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة إن البعوضة تدمي مقلة الأسد !
وأحيانا تأتي الفراشة في صورة سلك معدني صغير جدا ! :
فيحكى أن هناك مصنعا في روسيا ينتج إطارات السيارات منذ سنوات وبشكل جيد، ولكن فجأة ومنذ ستة أشهر بدأ هذا المصنع بإنتاج إطارات تنفجر بعد بضعة كيلومترات فحسب، ولم يعرف أحد السبب !
وبدأت التحقيقات مباشرة من أعلى مستويات الإدارة حتى أصغر عامل، ولكن لا أحد يعرف أسباب انفجار الإطارات، قام المحقق بمتابعة أحد الإطارات ومشى معه من نقطة الصفر حتى خروجه من خط الإنتاج، وأُصيب بإحباط شديد ؛ قد سارت عملية التصنيع بشكل طبيعي، وكل شيء سار بالمسار الصحيح، وكل شيء متقن ! فأمر بتركيب الإطار على إحدى العجلات الأمامية وركب بالسيارة وطلب من السائق السير بسرعة متوسطة، ولكن الإطار انفجر بعد بضعة كيلو مترات من استخدامه !
وبتحليل المواد المستخدمة ثبت أنها ممتازة جدا وليست هي السبب أبدا، ولكن الإطارات تنفجر بدون سبب !
وبينما كان يمشي في المعمل لفت نظره صورة أحد المهندسين وهو يتربع على رأس قائمة المتميزين منذ ستة أشهر أي منذ بدأت هذه الإطارات بالانفجار بدون سبب !
قام باستدعاء هذا المهندس وطلب منه أن يشرح كيف استطاع أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية ؟
فقال: لقد استطعتُ أن أوفر الملايين من الروبلات للمصنع والدولة، حيث قمتُ بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا !
وأخيرا توصل المحقق إلى حل اللغز؛ فسلك واحد أدي إلى ضياع سمعة الشركة .. إنها الفراشة
والأمثلة يعجز عن عدها الحصر، فالفراشة تتشكل أمامنا كثيرا بصور متباينة، وتلقي بظلالها على نتائج كارثية تراكمت دون أن ينتبه لها أحد، ولعلك عزيزي القاريء تعدد معي في ذهنك الآن كثيرا من الفراشات ترفرف حولنا فتجدها في إصابة صغيرة أهملت علاجها أو عطل بسيط في سيارتك أو سلوك غيرمرغوب فيه لأحد أبنائك ..
تعددت الفراشات و النتيجة واحدة :