الشعب المصري ارتبط بأرضه منذ قديم الزمن وما تنتجه تلك الأرض من ثروات، فهي مصدر الغذاء والكساء له منذ آلاف السنين، حتى إنه عبّر عن حالته النفسية من خلال ما تنتجه أرضه من ثمار، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يشير إلى مدى ارتباطه بأرضه وحبه لها، وان لحم اكتافه من خير تلك الأرض، فلا نعرف شعبا يستخدم الأطعمة كناية عن المعاني بالشكل الذي نجده عند المصري !
فعلى سبيل المثال عندما يكون في حالة مزاجية رائعة ويشعر بالسعادة (وهذا من النادر جدا في تاريخه ) يصبح مزاجه (عنب) !
وعلى النقيض فإذا كان المزاج سيئا وهذا هو المعتاد فالنفسية (بقدونس) ولا أدري حقيقة ما الذي يسببه البقدونس مع أنه طيب وابن حلال ! ما علينا ..
عند الإعجاب بشيء فهو يراه (لوز) اللوز !
وإذا كان لا يعرف شيئا عن الموضوع أو غيره فهو لا يفهم في (البطيخ) وأيضا (مالوش في البطاطا).
وهناك من يعجب الناس بقوله حتى لو قال ريان يا (فجل) يصفقون له !
أما إذا ما غضب من شخص فهذا من سوء حظه لأن المصري سيكيل له من الألفاظ والاتهامات والردود الغاضبة ما يجعله يعطي له من المنقي (خيار) هذا بالطبع بخلاف الخيار الاستراتيجي
ويتركه في غاية الغيظ و(مفلفل) من حركاته !
أما إذا أعجب بشيء فهو بالنسبة له مئة (فل) وأربعة عشر، ويصيح بكل فرح (قشطة) فالدنيا امامه حلوة وشاي بـ (النعناع) عندما يكون سعيدا !
وعندما يعبر عن النصب والكذب فإنه يقوم بحركات (قرعة) وعندما يهرف بما لا يعرف فهو يقول أي (بتنجان) في أي (بتنجان) على الفاضي .
وإذا رأي من يصدر أصواتا كريهة ذات رائحة غير محبوبة فمن الواضح أنه آكل (كرنب) ويبدو ان للكرنب أكثر من دور فإذا أصبحت البنت ممتلئة سمينة زيادة عن اللزوم فقد أصبحت (كرنبة) !
أما إذا تفشت المحسوبية في المصلحة أو المؤسسة أو أخذ أحدهم مكان الآخر بدون حق فهي (كوسة) !
ولكل من هذه المقولات قصص وحكايات يطول عدها ويصب حصرها، وقد نوهت في مقالات سابقة إلى أصول تلك الكلمات .
وقد تعدى استخدامه لثمار الأرض إلى الأمثال فهو إذا تعذر عليه الحصول على الشيء فإنه سيعثر عليه في (المشمش) وهذه يعني أنه لن يحصل عليه .
كما أنه لابد أن يعرف أن الحياة ما هي إلا كفاح، فمن سبق أكل الـ (نبق)
وإذا كان الرجل يتحدث بأحدايث غير صحيحة ويفتي بغير علم وهذه من الصفات الملازمة لكثير من أفراد الشعب فـ (اللي مايعرفش يقول عدس) خاصة لو كان هذا الرجل جاهل (لا يعرف الألف من كوز الذرة)
وأحيانا يخرج من موضوع ما بلا أي مكسب يذكر فقد (طلع من المولد بلا حمص).. مسكين !
أما إذا أحب شخصا ما فهو يرضى منه بأقل القليل فـ (بصلة المحب خروف) ويبدو أن للبصل له أهمية كبيرة عند المصري فأقحمه في أكثر من مثل، فقد ذكر أيضا أنه عيب أن يتدخل الشخص بين الأقارب والأهل فمن (دخل بين البصرة وقشرتها ما ينوبه إلا حماوتها) وهو يخشى أن (يصوم ويصوم ثم يفطر على بصلة) كأن يصبر لأجل الحصول على ما يجازي صبره فلا يجد الا النزر اليسير، كما أن الشخص المنحوس لن يتمتع بالخير فقالوا له (ابوك البصل وامك التوم منين تجيك الريحة الحلوة يا مشئوم) ولا ننكر تأثير البصل على إسالة الدموع فـ (أقل بصلة تنزل دمعة) !
أما الفول وهو الوجبة الفلكلورية الرئيسة لدى الشعب بجميع فئاته فقد نال حظا غير قليل من أمثاله فهو يؤمن جدا بأهمية الفول لصحة الأبدان لأن (الفول يربي العجول) كما أن (اللى يشوف الفول و لا ياكلش يحب و لا يطولش) ، وهو معترف بأن العروسة لابد أن تجد من يقدرها ويكون مكافئا لها فـ (كل فولة ولها كيال) !
وإذا ضرب الرجل امرأته فلابد أن تتغاضى عن أفعاله بدعوى أن (ضرب الحبيب زى أكل الزبيب)
ولا أدري حقيقى ما العلاقة بين الضرب المؤلم والزبيب اللذيذ !
وعندما ضربوا المثل لخطورة الإفراط في الطعام للمحافظة على الصحة قالوا (اللى ياكل قد الزبيبة ما فيهاش عيا و لا مصيبة)
أما من يفتعل مشكلة بسبب شيء تافه فهو يذكرنا بـ (علشان حتة بطيخ عمل مشكله وصريخ) !
كما أنه قد يذكر ثمرتين في مثل واحد حين قال
أكَل الفلّاح تفاح.. قال الفجل أحسن)) فالفجل سعيد لأنهم ابتعدوا عنه واكلوا شيئا آخر !
ما ذكرته مجرد غيض من فيض، ونزر قليل من كم كثير، والأمثلة كثيرة .
ولعلك عزيز القاريء تذكر بعضا من تلك الأطعمة التي كنت تنتظرني أن أذكرها، أو مثلا شعبيا قفز إلى خاطرك مما لم نورده في المقال ، فالبيئات الزراعية في مصر متنوعة بتوع الموقع شمالا وجنوبا وشرقا غربا مما لا يمانع من أن تكون هناك أمثال أو كنايات أخرى غفلنا عنها في مقالنا ..
ويبقي المصري ابن بيئته الطيبة نبتا طيبا لشجرة مثمرة امتدت بجذورها داخل أرض كانت سلة غلال للعالم أجمع .